عبد المجيد الشاوي
أحمد عبد المجيد
حفزني لقائي برئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، على استعادة ذكرياتي مع الكاتب الكبير عبد المجيد الشاوي ( ابو طريف)، الذي هو غير عبد المجيد الشاوي صاحب المنزل التراثي المهيب الذي حوله الرئيس من كومة انقاض الى مبنى يطل على دجلة واتخذه مقراً للمركز الثقافي العربي الكردي.
حرفة الادب
فالشاوي الذي أنا بصدد الكتابة عن سجاياه وافضاله على الاوساط الثقافية العراقية، ينحدر من أسرة كرادية معروفة وقد اتخذ من الادب والتراث الثقافي حرفة له، منذ ان ترأس مجلة (العاملون في النفط) خلفاً للناقد الراحل جبرا ابراهيم جبرا.
لقد عرفته عن قرب ،للمرة الاولى، في جريد الجمهورية مطلع عقد الثمانينات حيث عمل محرراً في الملحق الاسبوعي. وكان يمد الجريدة بمقالاته النوعية، التي لفتت انظار الرئيس الأسبق صدام حسين مبكراً، وهذا الأخير كان مولعاً بالتاريخ ويغمر معظم كتّابه بالرعاية والاهتمام.
واستمرت علاقتي بابي طريف الى ما بعد نيسان 2003 ،عندما واصل الكتابة في جريدة الزمان، بذات منهجه المتميز الذي يستوحي الموروث القرآني والنبوي في معالجة القضايا المعاصرة. واستطيع القول ان الشاوي الكاتب يعد من أبرز من كتبوا هذا النمط من المقالات في العصر الحديث، وأفضل من كتبوا المقال الصحفي المقرون بالشواهد اللغوية والبلاغية والموصوف بلغة التراث ،لكنها اللغة الجديدة في الصحافة اي لغة السهل الممتنع.
وبرغم فارق السن فأن معظم زملائي الصحفيين ،عرفوا الشاوي زميلاً ناصحاً محباً لهم ،يتصف بالدعابة الرصينة والخلق الابوي النادر. وأنا شخصيا كنت الجأ اليه في حل ألغاز بعض المعاضل في النحو والصرف والمطابقات.
وكان يشغل نفسه بكل ما عرف من جد واخلاص بتقديم الاستشارة. وربما كان ذلك سبباً، في اعتماد المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية عليه بتوجيه من صدام، في مراجعة كتاباته أو بياناته.
وقد أسرّني أكثر من مرة عن ذلك، كان آخرها حضور مدير عام المكتب عليّ عبد الله المعموري الى بيت الشاوي في كرادة مريم لطلب مراجعة (رواية لكاتبها زبيبة والملك) التي حولها الفنان سامي عبد الحميد الى عمل مسرحي باذخ. وأبلغني الإعلامي عبد العليم البناء أن المسرحية المذكورة حظيت بإهتمام إستثنائي من الوزير حامد يوسف حمادي ورصدت لها ميزانية تضاهي ميزانية الفرقة القومية للتمثيل لمدة سنة كاملة.
احتياجات العائلة
كان الشاوي يتفقدني في ازماتي، ويحضر الى منزلي في منطقة السيدية ببغداد، مصطحباً معه كميات من الفاكهة والخضروات، لسد عجزي عن تصريف احتياجات العائلة، يوم فصلني الفريق حسين كامل، من عملي في جريدة القادسية، بسبب عمود صحفي كتبته ، منتقداً الشركة الوطنية للصناعات البلاستيكية والكيمياوية ومديرتها السيدة الخبيرة رجاء البياتي، ويومها لم يطرق باب بيتي في اليوم الأول احد، سوى أخي الاستاذ سعد البزاز ،الذي كان يشغل رئاسة تحرير جريدة الجمهورية، وعرض عليّ ارتداء هندامي، والذهاب معه في سيارته الــــى العمل فيها فوراً.
كان أعراباً منه عن تحد وجدت من المناسب ان اعتذر لأبعد أخي البزاز ونفسي عن مواجهة غير متكافئة مع الرجل الثاني في الدولة.
ويوم كتبت في عمودي الصحفي (صباح الخير) بالجريدة ذاتها ،طالباً توحيد رؤية هلال شهر شوال، للحيلولة دون الاختلاف والاجتهاد المؤديين للفرقة، ردت علي وزارة الاوقاف والشؤون الدينية، رداً مستفزاً ،فأضطررت الى الاستعانة بالمرحوم عبد المجيد الشاوي (ابو طريف) لاسعافي ببعض الشواهد من سيرة السلف الصالح، ففعل بكل ترحاب. وكذلك يوم كتبت مقالاً في مجلة صوت الطلبة التي كان يشغل رئاسة تحريرها قبل الاحتجاب زميلنا المرحوم داود الفرحان، رد علي ، رجل الدين البارز عبد الرزاق السعدي، بقسوة، طالباً ابتعاد من ليست له علاقة بالدين عن موضوع الآذان للصلاة.
وكنت في مقالي، قد تمنيت اعتماد صيغة في توحيد توقيت آذان الفجر ،بدلاً من ترك المساجد والجوامع تطلق اصوات مؤذنيها بالتتابع وبالمزاج احياناً. وقد أمدني الشاوي بشواهد من التاريخ الاسلامي على صحة اجتهادي مقابل تهافت منطق الاخرين.
كان (ابو طريف) يزورني بعد نيسان 2003 في مبنى (الزمان) حاملاً مقالاته ويقدمها لي كتلميذ من تلاميذه الذي هو أنا، بكل تواضع وامتنان وكأنه التلميذ وأنا أستاذه. كان تصرفه الاخلاقي يحرجني لكنه كمن يريد ان يقدم لي الدرس بعظمة مواقف الكبار من رهطه، وأهمية الاحتذاء بهم في كل حين وتحت أية ظروف.
فما الدنيا في نظره سوى دورات وأيام، وما علينا سوى الابتعاد عن الغرور والتكبر والنرجسية. ومازلت أتذكر الشاوي ذا الخط الحسن الذي يزيد الحق وضوحا ، كما قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، فأزداد تواضعاً وأمتناناً له ولسواه من عمالقة الابداع الفكري، الذين عرفتهم في معترك الصحافة يزورونا فيبثون فينا رحمة الخلق النادر التي يتحلون بها.
كان حسين علي محفوظ وعلي الوردي وأحمد فوزي عبد الجبار وجلال الحنفي وغيرهم سحابات ممطرة تغسل نفوسنا من أدران التعالي والجهل والتكبر الفارغ. كان هؤلاء يزورون المحرر او رئيس القسم المعني ولا يطرقون ابواب رؤساء التحرير ، برغم علاقتهم الوطيدة بهم.
رحم الله عبد المجيد الشاوي (ابو طريف) ،الانسان المفكر الاسلامي والعالم اللغوي الضليع، وادعو احفاده من نجله (طريف) واسباطه من كريمته المرحومة نيران، الى استذكار جدهم الراحل والاقتداء بسجاياه والاحتفاء بعطائه الخالد.