الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دراسة نقدية رومانسية حديثة  لقصيدة من وحي البنفسج للشاعر حامد خضير الشمري


أنين البنفسج على أطلال بغداد

دراسة نقدية رومانسية حديثة  لقصيدة من وحي البنفسج للشاعر حامد خضير الشمري

عبدالكريم الحلو

 

القصيدة:

" من وحي البنفسح "

للشاعر : حامد خضير الشمري

 

ضحكت فأمطر ثغرها أورادا

والفجر خضب بالشذا بغدادا

أودعتُ في بغداد فيضَ محبتي

وتركتُ فيها نجمتي تتهادى

وأتيتها  من بعد أن فتك الهوى

بدمي وجللني أسىً ورمادا

فرأيتُ وجنات الورود تغضّنت

ووجدت فتيان الهوى أجدادا

وقصدتُ أطلال الأحبة هائماً

وسفحتُ من عيني دماً وفؤادا

وشرعتُ أحسب بالجراح بليغةً

فتجاوزت أرقامُها الأعدادا

ووقفتُ يعصرني الحنين لغادةٍ

في الأعظميةِ أخلفت ميعادا

 

* مقدمة :

* نلاحظ أنّها قصيدة تنضح بوجدانٍ رومانسيّ عميق، مُتشبع بالحساسية المفرطة تجاه الجمال، والافتتان بالمكان، والاندياح مع موجات الحنين والميل إلى التذكّر والألم،

* وكلّها سمات متجذّرة في بنية الرومانسية الشعرية، سواء في تجلياتها الغربية مع وردزورث وكيتس، أو في نسختها العربية كما عند شوقي ونازك وأبي القاسم الشابي.

* وفي هذه الدراسة، سنغوص في هذه الرومانسية عبر محاور متعددة:

 

أولًا: الجمال كشرارة للحنين    :

         ------------------------

ضحكت فأمطر ثغرها أورادا

 والفجر خضب بالشذا بغدادا

 

* منذ البيت الأول، يتضح أننا ازاء شاعر مفتون بالجمال، لا يراه سطحاًا أو زينة، بل قوة خالقة تستنفر العناصر وتوقظ الطبيعة،

* فالضحكة تُنبت الورود، وتغمر بغداد بالعطر. هنا تنبع الرومانسية من التماهي بين المرأة والطبيعة، وهو مبدأ أساسي في المدرسة الرومانسية التي ترى في الحب والجمال طريقًا إلى التوازن الكوني والروحي.

 

ثانيًا: الحنين إلى الوطن حبًا مجروحًا  :

          -----------------------------

أودعتُ في بغداد فيضَ محبتي

 وتركتُ فيها نجمتي تتهادى

 

قصدتُ أطلال الأحبة هائماً

 وسفحتُ من عيني دماً وفؤادا

 

* بغداد ليست هنا مجرد مدينة، بل حبيبة مواربة، تُحمل رمزًا للوطن، للماضي، للحلم،

* وكلها تذوب في بوتقة واحدة: الحب الرومانسي.

* فالشاعر لا يفصل بين حب المكان وحب المرأة، بل يدمجهما في وحدة وجدانية، كما كان يفعل الرومانسيون الكلاسيكيون حين يجعلون الطبيعة مرآة للروح.

 

* إن زيارة الشمري لبغداد أشبه بـ”الحج العاطفي” إلى معبدٍ قديم، لكنه مهدّم، لم يبقَ منه إلا أطلال الأحبة.

* وتكرار مفردة “الأطلال” يُحيلنا مباشرة إلى الإرث الرومانسي الجاهلي والحديث، حيث الحنين للمفقود هو جوهر التعبير الجمالي.

 

ثالثًا: الوجع كطريق إلى التماهي مع الذات :

          ----------------------------------

وشرعتُ أحسب بالجراح بليغةً

 فتجاوزت أرقامُها الأعدادا

 

* هنا يبلغ الوجع درجة الغليان العاطفي، حيث يصبح الألم لا يُقاس، ويعجز المنطق عن تتبعه.

* وهذه سمة رومانسية أصيلة، إذ أن المدرسة الرومانسية ترى في الألم وسيلة لاكتشاف الذات،

* بل تعتبر أن أكثر القلوب إحساسًا هي أكثرها نزفاً .

* وهذا يتقاطع مع فلسفة “جون كيتس”، الذي قال إن “الروح لا تنمو إلا من رحم الألم”.

 

رابعًا: الحب المخذول خيانة للموعد :

 

ووقفتُ يعصرني الحنين لغادةٍ

 في الأعظميةِ أخلفت ميعادا

 

* نهاية القصيدة تتوّج المشهد الرومانسي بالتراجيديا: اللقاء المؤجل إلى الأبد.

* إن الغادة التي لم تأتِ ليست فقط امرأة، بل هي رمز الأمل الذي لا يتحقق، الحلم المؤجل، والحنين الذي لا يُشفى.

 

* فالموعد الذي أُخلف ليس فقط زمنًا ضائعًا، بل هو جرح مفتوح لا يندمل. وهو ما يرسّخ في النص التيمة الرومانسية الخالدة: الفقد بوصفه قدراً، لا حدثاً.

 

خامسًا: الصياغة اللغوية وعمق الصورة :

                ---------------------------

* لغة الشاعر متينة، مرهفة، مشبعة بالتشبيهات والاستعارات الزهرية والعاطفية،

* من “أمطر ثغرها أورادا”

* إلى “سفحتُ من عيني دماً وفؤادا”.

* وهذه الصور تتماهى مع الأفق الرومانسي حيث اللغة لا تُستخدم لنقل المعنى فحسب، بل لخلق إحساس شعوري يفيض على النص.

 

في الختام :

* قصيدة “من وحي البنفسج” ليست فقط وقفة على أطلال الحب،

* بل هي مرآة رومانسية ناصعة لما يختلج في النفس البشرية من توق إلى الجمال،

* وحزنٍ على الفقد، وتعظيمٍ للحظة الشعورية كجوهر للحياة.

 

* الشاعر هنا لا يسرد تجربة، بل ينحتها وجدانيًا من لحم قلبه وذاكرته، فتصبح القصيدة — ككل قصيدة رومانسية عظيمة — ليست ماضياً يُروى، بل وجعًا يُعاد خلقه في كل قراءة.

 

تقييم قصيدة “وهج البنفسج”

--------------------------

 

* القصيدة تنتمي إلى التيار الرومانسي التأملي، وتمتاز بـ:

*

* جمال الصورة الشعرية :

* ---------------------

* الشاعر يزاوج بين الرقة والرؤية، إذ تبدأ القصيدة بضحكة تتحوّل إلى مطرٍ منالورود، في صورة حسية شفيفة ومفعمة بالمجاز العاطفي.

*

 

* حنين عميق لبغداد:

* ------------------

* بغداد هنا ليست مجرد مدينة،

* بل معشوقة، وموئل فقد،

* ومستقرّ وجدان توظف الرموز بذكاء: “نجمتي”، “الرماد”، “الوجنات المتغضنة”، “الأعداد التي تجاوزها الوجع” كلها رموز تحمل طبقات دلالية تؤسس لثيمة الفقد، الندم، والوجد.

 

* نقاط التميز:

* شاعر يمتلك لغة مصقولة، وصورًا ذات حسّ مرهف.

* قصيدته تجمع بين الوجع النبيل والتأمل العاطفي الناضج.

 

* تقييم الشاعر حامد خضير الشمري:

* ------------------------------

* شاعر يمتلك حسًا فنيًا عاليًا، يميل إلى الرومانسية الكلاسيكية ذات الطابع الفلسفي.

* صوته الشعري هادئ، عميق، وذو ذائقة عالية، بعيد عن التهويل والصخب.

* يجيد إدارة الصورة الشعرية بإحساس مرهف، ويمنح القصيدة طاقة وجدانية تستبطن المعنى أكثر مما تصرّح به.

 

* خلاصة التقييم:

* “ وهج البنفسج” قصيدة ناضجة وجدانيًا، تتوهج بالشعر الحقيقي،

* وشاعرها حامد خضير الشمري يُعدّ من الأصوات الرصينة، الصادقة، والمؤثرة في المشهد الشعري العربي الحديث.

الدكتور عبدالكريم الحلو


مشاهدات 48
الكاتب عبدالكريم الحلو
أضيف 2025/10/14 - 2:54 PM
آخر تحديث 2025/10/15 - 2:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 91 الشهر 9622 الكلي 12149477
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير