الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الديمقراطية التوافقية ما لها وما عليها ؟

بواسطة azzaman

في دائرة الإنتخابات (4)

الديمقراطية التوافقية ما لها وما عليها ؟

محسن القزويني

 

ينشأ من الديمقراطية التوافقية نظام سياسي يقوم على مبدا التراضي بين مكونات الشعب وهو خيار لابد منه في ظروف خاصة يعيشها البلد حفاظا على التوازن بين مكوناته ووصولا الى حالة الاستقرار، وهو يتطلب تنازلا من الاكثرية الى الاقلية في بعض الظروف حفاظا على وحدة الوطن و سلامة المجتمع . من هنا فالتوافقية هي حالة موقتة تفرضها الظروف الموضوعية التي يعيشها البلد ليعود كل شيء الى حجمه وواقعه والانتقال شيئا في شيئا من الديمقراطية التوافقية الى الديمقراطية النيابية التي تقوم على مبدا التمثيل النيابي واحتساب الاصوات، وهو ما ذهب اليه الدستور العراقي لسنة 2005 الذي ليس فيه اية اشارة الى الديمقراطية التوافقية التي كانت ولا زالت عُرفا سياسيا تمسكت به المكونات والكتل العراقية منذ 2003 وحتى يومنا هذا ، وكان من الاجدر العودة الى الدستور والاحتكام اليه بدلا من التوافق الذي ساد حتى في مجلس النواب عند التصويت على صفقة من القوانين بالتراضي كما جرى اخيرا في التصويت بصورة مجملة على قانون العفو العام وقانون الاحوال الشخصية وقانون اعادة العقارات الى اصحابها،  فكل قانون من هذه القوانين الثلاثة يُشٌكل مطلبا لاحدى الكتل الثلاث المكونة لمجلس النواب العراقي ، وعلى هذا النسق جرى العرف السياسي بان يكون رئيس الجمهورية من المكون الكردي ورئيس مجلس الوزراء من المكون الشيعي و رئيس مجلس النواب من المكون السني وكذلك جرى العرف على تقاسم الوزارات على المكونات فاصبحت (التربية والتخطيط والتجارة و الدفاع) وقفا للسنة و(التعليم والنفط  والداخلية والرياضة) وقفا للشيعة و(الخارجيه والعدل ) وقفا للاكراد، وكان من نتائج هذه التوافقية:

 اولا: شبه استقلال الوزارات عن جسد الحكومة بل اصبحت هذه الوزارات حكومة مستقلة بذاتها.

 ثانيا :عدم قدرة رئيس مجلس الوزراء على اختيار اعضاء الكابينة وتاليا السيطرة على الوزارة وتسيير امورها بحسب برنامجه الوزاري.

 ثالثا: تحولت هذه الوزارات الى مصدر للتمويل  تدر على الكتل اموالا طائلة تحصل عليها من مختلف الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة.

 رابعا : تضخُّم وظيفي واداري نتيجة تغيير الوزراء وتعيين المنتسبين للوزير من افراد عشيرته  الا ما ندر .

تعديل وزاري

خامسا:  الانفلات من المساءلة والمحاسبة كون الوزير مفروض على رئيس مجلس الوزراء فلا يحق له تغييره ومحاسبته، وطالما سمعنا من رؤساء وزراء برغبتهم في  اجراء تعديل وزاري  وملاحظاتهم على بعض الوزراء لكننا لم نشهد تغييرا وزاريا تم بارادة رئيس مجلس الوزراء الامر الذي اصبحت فيه الحكومة عاجزة عن ادارة دفة البلاد بصوره توافقية والمشكلة لا تكمن في الديمقراطية التوافقية التي تسود الكثير من البلدان الراقية كسويسرا والمانيا والدنمارك والسويد بل تكمن المشكلة في العقلية غير التوافقية التي تسيطر على البعض، فعقلية الاقصاء والانحياز الى الطائفة  والعشيرة لا تنتج حالة توافقية بل تؤدي الى المحاصصة التي اصبحت اليوم اساسا  لتقاسم السلطة في العراق .

وظاهرة  المحاصصة لا حدود لها فهي تبدا بالمحاصصة الطائفية ثم تمتد الى المحاصصة العشائرية ثم تمتد الى المحاصصة الرحمية فالاختيار اصبح للقريب من كتلتي ومن طائفتي بدلا ان يكون المعيار هو الكفاءة.

 من هنا كانت نهاية التوافقية في العراق نهاية غير محمودة ظهرت نتائجها:

اولا: في تكريس فكرة المكونات بدلا من المواطنة وهذا ما نلاحظه في اكثر من موقع وميدان حتى الانتخابات اصبحت تجسد اختيار المكون وليس ما يحمله المرشح من برامج وحلول.

وثانيا:  في صراع الاحزاب والكتل فيما بينها بدلا من التقارب والتفاهم الذي  يستهدفه التوافق.

 ثالثا : في تغليب مصالح المكونات والكتل على مصلحة الوطن تحت ذريعة الاستحقاق الانتخابي الذي تحول الى مفهوم مغاير للتوافقية، فاصبح مدعاة لنزاع الكتل  وصراعها مما اخرج العملية السياسية  من التوافق الى صراع على المكاسب والمصالح. وبناءا على ذلك لابد من مراجعة للنهج التوافقي وممارسته بعقلية الاقصاء الذي جر البلاد الى مزالق خطيرة وذلك بالرجوع الى الدستور العراقي لسنة 2005 الذي كرس الديمقراطية النيابية باروع صورها واعطي كل صاحب حق حقه، بناءا على احتساب الاصوات،  وهو مبدا عقلائي سارت عليه البشرية منذ عصر ارسطو وسقراط وقامت عليه الدول والحكومات حتى يومنا هذا.

 


مشاهدات 45
الكاتب محسن القزويني
أضيف 2025/10/13 - 2:29 PM
آخر تحديث 2025/10/14 - 3:59 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 123 الشهر 8961 الكلي 12148816
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/10/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير