امي النجف اميرا للشعر والشعراء
كاظـم بهَــيّــة
الك مرعه بدليلي وانت رامه
اهو رامك يناهي وانت رامه
هيه يا الله انتكابل وانت رامه
ابحجر والفشختين اطيح بيه
من منا من لم يسمع بهذا البيت الجميل والصور المبدعة والرائعة بصوت المطرب الراحل رياض احمد ، والذي كتبه بحس مرهف ومشاعر جياشه ، ولكن الاغلب لم يعرف شاعره الا البعض القليل من شعرائنا والمهتمين بالأدب الشعبي ، انه شاعر طفح شعره بالعزاء والرثاء في معركة الطف :
جيف يهنه العيش ويطيب الورد
اوطفل ابو سجاد مفطور الجبد
انه ذلك الشيخ في سن السبعين منحني الظهر بالي الجسد يعتمد اذا مشى على الجدار والعصا اوالسير متكلفا ببطء اذا تكلم معك فلم تتوقع شاعر فكلامه ينبع من القلب والوجدان الصادق يخاطب روح الانسان وعقله هذا مانقله من عاصره للاجيال تلو الاجيال ، انه الشاعر الخالد عبود غفله المولود في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والمتوفى عام 1936 ، فأخذ دواعي الشعر والهامه وذكاءه يجلس على قمته واصبح اميرا للشعر والشعراء الشعبيين بلا منازع في عصره ، رغم انه امي لايقرأ ولايكتب ، فكان وحيد عصره في عالم المراثي رغم احتواء عصره على كبار الشعراء امثال السيد مرزه الحلي والحاج زاير الدويج وابراهيم الخليل ابوشبع وياسين الكوفي وعبد الحسين صبره الحلي ومنصور العذاري ..وغيرهم .
صدرت له عدة دواوين بعد رحيله منها (جمر المصاب ) اعداد محمد صادق و( وسيلة الدارين ) بثلاثة اجزاء وديوان (امير الشعراء ) بجزأين و( البلاغة الشعرية في المراثي الحسينية ) .
فأمير الشعر الشعبي ليس بعيدا عن مآسي الحياة السياسية ، فأخذ يصور فيما يدور في عصره آنذاك من اضطرابات وانتصارات وتسلط الاستعمار البريطاني على ارض البلاد .
ان هذه الامور دفعته الى التمرد على هذا الواقع الذي كان يعيش فيه فكتب (غفلة ) الملحمة الشعرية التاريخية الرائعة وفيها استعرض ذكرى ولادة محمد (ص ) وهي من لون الهجري والتي ضمت (59 ) بيتا نقتطف منها :
ياربيع ابشهرك الخير
اويه الهادي ولد
رغمن اعله اخشوم
الاوثان اومن لها ايعبد
فهنا بين سطور هذه الملحمة نلاحظ الشاعر (عبود ) يجسد بطولات القبائل والعشائر العراقية لموقفهم المشرف في الثورة العراقية المجيدة في العشرين من حزيران، لما قدموه من تضحيات جسام خلال المعارك التي دارت بينهم وبين قوات الانكليز المدحورة :
يلظوالم .. يل افاعي
اويلبو حسان السباع
اويابني حجيم اويجياش
يحلوين الاطباع
ياعوابدنه اويأكرع
ياطويلين الذراع
بردن جرح اصواب عزكم
والجرح خضر لو برد ؟
والخ الملحمة التاريخية التي كتبها شاعرنا الخالد .
فالبرغم من بساطة ثقافته ورغم اميته ،فكان مجاريا للشعر العربي أسوة بزملائه شعراء عصره كما جاء مجاريا لهذا البيت من الشعر العربي :
قال العذول متى تسلو محبته
والشعر فوق جمال الخد قد نبتا
فقلت كنت بأرض وهي ممحلة
فكيف ارحل عنها والربيع اتى
فجاء مجاريا بهذا البيت من الابوذية يقول فيه :
اخيول اهواك يامدلول عنها
ابليل وكبل طرت الفجر عنها
ارض جانت ممحلة شلون اعنها
ارحل والعشب عم ها الوطية
وعبود غفله لم يكن بعيدا عن الاصدقاء ومن ابناء مدينته ، ولم ينساهم فهم بذاكرته . لقد عبرت كتاباته عن همومهم وطموحاتهم كما جاء في هذا البيت من الابوذية كتبه لاحد الاصدقاء اسمهه (علوان ) مؤرخا فيه وفاته يقول فيه :
امجان وياك يامدلول ولفه
الك نعشي ولا للغير ولفه
كضه علوان سنة الكاف ولفه
اومضه للخلد خمسة وثلثمية
وذكر في يوم من الايالم بان عبود غفله كان لايملك سوى دشداشه ثوب واحدة يغسلها ثم يلبسها وفي حين غسلها جاء اليه احد الاقارب لزيارته ، فكيف يستقبله وهو عاريا دون ثياب فاخذ يكتب قائلا :
من كثر الشجر والشوج هميت
ولتظن الفكر ظل عدل هميت
بغسل دشداشتي ياناس هميت
لبست الحوش وغلكته عليه
واخيرا ننحني بتقدير لهذا الشاعر الكبير، لما قدمه من نتاج شعري استطاع من خلاله ان يملأ اسماع الناس الى يومنا هذا .. فطوبى لك يا امير الشعر والشعراء .