الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
متى يتغيّر النظام في العراق ؟

بواسطة azzaman

فرِّق تسُد (5)

متى يتغيّر النظام في العراق ؟

منقذ داغر

 

«الحقيقة لا تحتاج لتصنيف فهي ليست بوذية ولا مسيحية ولا مسلمة، بل لا يمكن لأحد احتكارها. التصنيفات الطائفية تعيق فهم الحقيقة وتجعل عقل الأنسان متحيز» والبولا راهولا Walpola Rahula-راهب بوذي

بقي عاملان مهمان يعيقان نضوج الشروط الموضوعية للتغيير اناقشهما في ادناه:

4.أنقسام الشمال والجنوب

كان الانقسام بين الشمال الإيطالي الصناعي الغني والجنوب الزراعي الفقير والمختلف ثقافياً وفكرياً، من بين اهم عوامل أزمة الهيمنة التي شخصها غرامشي والتي تمنع الشروط الشخصية او الذاتية subjective  من النضوج لتتحد مع الشروط الموضوعية Objective الناضجة أساساً وبالتالي حصول التغيير.

شروط ذاتية

ومقارنةً بالعراق فاذا كان التباين الاقتصادي على أساس جغرافي غير واضح كثيراً -رغم وجوده فعلاً- الا ان هناك نوع آخر من الإنقسام الفكري هو أشد وضوحاً وأكثر تهديداً لنضوج الشروط الذاتية للتغيير ويتمثل بالانقسامات الأثنية والطائفية بين مختلف مناطق العراق. فخلال العقدين الماضيين من تاريخ العراق تطورت ثلاث مناطق فكرية (شيعية،وسنية وكوردية) لكل منها رؤية مختلفة وتقييم مختلف للأوضاع السياسية تحديداً. ومما يزيد المشهد الإنقسامي تعقيداً وحِدّةً ان كل من هذه المجموعات السكانية الكبيرة تستمد جذور رؤيتها من ركيزة تاريخية قوامها (المظلومية). فالشيعة في العراق يعتقدون ان السنة الذين هيمنوا على الحكم في العراق لعقود طويلة ظلموهم كم خلال حرمانهم من حقهم الطبيعي- كأكبر مجموعة سكانية- ليكونوا هم الحاكمين ومارسوا الإقصاء المذهبي ضدهم. أما السنة فيعتقدون أن الشيعة الذين جائوا مع المحتل في 2003 مارسوا ضدهم نفس سياسة الإقصاء وبالتالي حرموهم من المشاركة في الحكم وتعرضوا لمظلومية تاريخية لمدة 22 عاماً وما زالوا مظلومين رغم انهم هم من أسسوا الدولة العراقية الحديثة. في ذات الوقت يشعر الأكراد أنهم ظُلموا مرتَين الأولى خلال النظام السابق عندما لم يتم الاعتراف بحقهم الطبيعي والمتساوي في الحكم وفي نيل حقوقهم الثقافية كقومية شريكة في العراق، والثانية عندما تكرر معهم نفس المشهد خلال النظام الحالي الذي كانوا هم أحد أعمدته المؤسِسة والتي لولاها لما كان بالإمكان الإطاحة بنظام صدام. بكلام آخر فأن هذه الانقسامات الفكرية والتشخيصية القائمة على أساس طائفي (ديني او اثني) وضعت حاجزاً بين الجمهور الكلي(الشعب) وبين التغيير وساهمت في تعليب، بل تغييب الفكر التغييري أما خشيةً من ضياع حقوق المكوّن أو خوفاً من العودة لمظلومية الماضي او شكاً في نظام الحكم الذي يمكن ان يجلبه التغيير ومدى اتفاقه مع الرؤى الطائفية التي تحكم النظام الحالي والتي رغم انتقاد الجمهور لها لكنه يخشى من ضياع حتى بعض المكاسب التي ضمنها النظام الحالي. هكذا تسمع رجال دين يبررون للنظام الحالي لكونه يتيح لهم ممارسة شعائرهم، ويحذرون من التغيير لأن القادم قد يمنعهم من ممارستها كما فعل النظام السابق. وترى الكورد يكافحون من أجل الأنفصال والاستقلال بعد أن ملّوا من الفشل المتكرر مع كل الأنظمة «العربية» القومية او الإسلاموية. في حين ان السنة يسعَون لتجسير مظلوميتهم من خلال السعي لفيدرالية شبيهة بالكور أو ربما حتى المطالبة بالانفصال!!

5.تآكل الطبقة الوسطى

بقي عامل مهم في عدم نضوج الشروط الذاتية للتغير في العراق هو تآكل الطبقة الوسطى.

طبقة غنية

على الرغم من أن الطبقات الدنيا قد تعاني أكثر من سياسات النظام القائم، إلا أنّ  الدراسات العالمية اشارت الى ان هذه الطبقات-ولأسباب نفسية واقتصادية واجتماعية عديدة- غالبًا ما تتبنى نظرة تشاؤمية تجاه إمكانات التغيير. أما الطبقة الغنية فهي تعارض التغيير اساساً للحفاظ على مصالحها. لذا فأن التغيير غالباً ما يناط بالطبقة الوسطى الأكثر فهماً ووعياً بمشاكل النظم السياسية والأكثر قدرةً على التأثير في التغيير. على الرغم من شحة الدراسات عن الطبقة الوسطى في العراق الا ان دراسة اجراها كاتب المقال في عام 2022 اشارت الى تآكل كبير في حجم الطبقة الوسطى في العراق بحيث تراجعت نسبتها من اكثر من 60 بالمئة من سكان العراق في 2007 لتصل الى حوالي 30 بالمئة في عام 2020 وهناك حوالي 5 بالمئة ممن مهددين بالسقوط من الطبقة الوسطى للفقيرة. بمعنى ان ربع سكان العراق فقط يمكن تصنيفهم كطبقة وسطى وهو الرقم الذي أكدته دراسة مماثلة لبرنامح التنمية العالمي UNDP، في عام 2022 ومجموعة أوكسفورد للأعمال OBG  في عام 2024. قابل ذلك صعود كبير ومقلق في نسبة الطبقة الدنيا لتصل الى 61 بالمئة من سكان العراق. وهناك 10 بالمئة من السكان يمكن تصنيفهم ضمن الطبقة الغنية الرافضة للتغيير عادةً. هذا يعني ان ثلاث أرباع سكان العراق اما رافضين للتغيير(الأغنياء) او غير مكترثين او غير مهتمين(الطبقات الفقيرة والمهددة بالفقر) مما يترك عبئاً كبيراً على عاتق الطبقة الوسطى(ربع السكان فقط) لكي تقوم بالتغيير.

الخلاصة فأن هناك خمسة عوامل ساعدت وحوش السلطة في العراق على ادامة سيطرتهم على مقدرات السياسة في العراق ومنعت الشروط الذاتية من النضوج كي تتوحد مع الشروط الموضوعية (أي فشل مخرجات النظام) لكي يحصل التغيير. هذه العوامل هي : المجتمع المدني، وتدجين المثقفين، وظروف التاريخ والهوية الوطنية، والأنقسامات الطائفية،وتآكل الطبقة الوسطى وقلة تأثيرها. مع ذلك فما زال التغيير ممكناً ولا تصعب رؤيته.

 


مشاهدات 64
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/09/09 - 2:55 PM
آخر تحديث 2025/09/10 - 6:56 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 323 الشهر 6882 الكلي 11424755
الوقت الآن
الأربعاء 2025/9/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير