منح تراخيص للبنوك الرقمية
حاكم الشمري
يشهد العراق تحوّلاً نوعيًا في قطاعه المصرفي بعد أن أعلن البنك المركزي موافقته على منح تراخيص للبنوك الرقمية، وهي خطوة تُعدّ الأولى من نوعها في مسيرة البلاد نحو العمل الرقمي والدفع الإلكتروني. هذا القرار لا يقتصر على كونه إجراءً إداريًا أو تنظيميًا فحسب، بل يُنظر إليه كبداية لمرحلة جديدة قد تعيد رسم ملامح النظام المالي والاقتصادي، بما يواكب التطور العلمي ومتطلبات الرقمنة العالمية.لقد أدرك البنك المركزي، من خلال هذه المبادرة، أن النظام المصرفي التقليدي لم يعد قادرًا وحده على تلبية احتياجات مجتمع شاب يتعامل بشكل متزايد مع الهواتف الذكية والتطبيقات الإلكترونية. البنوك الرقمية لا تحتاج إلى بنايات ضخمة أو فروع منتشرة، بل تعمل عبر منصات تقنية آمنة وسريعة، ما يجعل الوصول إلى الخدمات المصرفية متاحًا لشريحة أوسع من السكان، بما في ذلك أولئك الذين لم يسبق لهم التعامل مع البنوك.هذه الخطوة تحمل في طياتها أبعادًا اقتصادية واجتماعية مهمة؛ فهي من جهة تدعم جهود الشمول المالي، عبر تمكين الأفراد والشركات الصغيرة من الدخول في المنظومة المصرفية، ومن جهة أخرى تساعد على تقليل الاعتماد على النقد الورقي الذي طالما ارتبط بمشاكل الفساد وضعف الرقابة. كما أن التعاملات الرقمية تسهم في خفض التكاليف وتسريع التحويلات وتسهيل المدفوعات، وهو ما ينسجم مع رؤية العراق في الانفتاح على الاقتصاد العالمي وجذب الاستثمارات.ورغم أن الطريق أمام البنوك الرقمية لن يكون خاليًا من التحديات، سواء على صعيد البنية التحتية التكنولوجية أو الوعي المجتمعي، فإنها تظل خطوة ضرورية لمواكبة ركب التحول الرقمي الذي يشهده العالم. وربما يفتح هذا القرار الباب لاحقًا أمام مشاريع أكثر طموحًا، مثل إطلاق عملة رقمية وطنية أو إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة الخدمات المصرفية.إن دخول العراق عصر البنوك الرقمية ليس مجرد تحديث للقطاع المالي، بل هو إعلان عن إرادة رسمية لتغيير قواعد اللعبة، وبناء نظام مالي أكثر كفاءة وشفافية وعدالة. ومع هذا التحول، يقترب العراقيون أكثر من اللحاق بالثورة الرقمية التي باتت تقود الاقتصاد العالمي.