موقف واشنطن من حظر دخول مسؤولين فلسطينيين.. خطوة ضغط استراتيجية أم تصعيد يعيق السلام في الشرق الأوسط؟
محمد علي الحيدري
في قرار أثار جدلاً واسعاً، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب حظر دخول الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونحو 80 من كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية إلى الولايات المتحدة، من خلال إلغاء أو رفض تأشيراتهم قبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك المقررة في سبتمبر 2025. هذا الإجراء، الذي أُعلن يوم الجمعة 29 أغسطس 2025، وصفه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأنه يستند إلى القانون الأمريكي، متهماً السلطة الفلسطينية بدعم الإرهاب والسعي لتقويض المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. ومع ذلك، أثار القرار إدانات دولية واسعة، واعتُبر انتهاكاً لاتفاقية مقر الأمم المتحدة، مما يطرح تساؤلات حول جدواه في دفع عملية السلام أم تعميق الركود السياسي في المنطقة.
تأتي هذه الخطوة كجزء من تدهور العلاقات الأمريكية-الفلسطينية، التي بدأت بالتصدع بشكل واضح خلال الولاية الأولى لترامب. قرارات سابقة، مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن عام 2018، قطع التمويل عن وكالة الأونروا، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، شكلت مقدمات لهذا الحظر. اليوم، يُنظر إلى إلغاء التأشيرات كمحاولة لعزل القيادة الفلسطينية في لحظة حساسة، حيث كان عباس يعتزم دفع الجمعية العامة نحو الاعتراف بدولة فلسطين، خطوة رمزية لكنها تحمل وزناً سياسياً. اتهمت الإدارة الأمريكية السلطة الفلسطينية بالتحريض على العنف من خلال دفعات مالية لعائلات “الشهداء”، وبالسعي إلى “الحرب القانونية” عبر المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وهو ما يُنظر إليه كتجاوز للمفاوضات المباشرة. لكن هذا التبرير يثير جدلاً، إذ يرى الفلسطينيون أن هذه الإجراءات هي حق مشروع للدفاع عن قضيتهم في ظل غياب أي تقدم في المفاوضات منذ انهيارها عام 2014.
استراتيجية الحظر تبدو مصممة للضغط على السلطة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات تحت شروط أمريكية، وبالأخص قبول نسخة محدثة من “صفقة القرن” التي تركز على الحلول الاقتصادية بدلاً من السياسية. داخلياً، يعزز هذا القرار مكانة ترامب بين قاعدته الانتخابية، خاصة المحافظين المؤيدين لإسرائيل، في وقت يواجه فيه ضغوطاً متزايدة من الكونغرس لتشديد العقوبات على خصوم إسرائيل. تصريحات روبيو، التي ربطت القرار بالقانون الأمريكي، تعكس محاولة لإضفاء شرعية قانونية على خطوة سياسية بالأساس. ومع ذلك، فإن الحظر يحمل مخاطر كبيرة. أولاً، قد يدفع عباس نحو تعزيز العلاقات مع قوى مثل الصين وروسيا، اللتين سارعتا إلى إدانة القرار كانتهاك للقانون الدولي. ثانياً، يعرض الولايات المتحدة لانتقادات قانونية بسبب انتهاكها المحتمل لاتفاقية مقر الأمم المتحدة لعام 1947، التي تلزم الدولة المضيفة بتسهيل دخول الوفود الدبلوماسية. هذا الوضع قد يضعف مصداقية واشنطن كوسيط محايد في قضايا دولية أخرى، مثل الصراع الأوكراني-الروسي. استراتيجية “الضغط الأقصى” لإجبار الفلسطينيين على الخضوع قد تكون معاكساً للأهداف المرجوة، فالقضية الفلسطينية ليست مجرد معادلة دبلوماسية، بل صراع وجودي يتطلب حواراً يحترم تطلعات الشعب الفلسطيني، لا إجراءات إقصائية تزيد من الاحتقان.
للقارئ العربي، يمثل هذا الحظر ضربة رمزية للقضية الفلسطينية، التي تظل ركيزة أساسية للوحدة العربية. قد يشجع دولاً مثل السعودية والإمارات، اللتين طورتا علاقات مع إسرائيل ضمن اتفاقيات إبراهيم، على الضغط على عباس لتقديم تنازلات، مما يعزز الانقسامات العربية. في الضفة الغربية وغزة، يمكن أن يؤدي القرار إلى تصعيد الاحتجاجات، مما يمنح حركات مثل حماس فرصة لتعزيز شعبيتها كبديل للسلطة الفلسطينية المتهمة بالضعف. دولياً، أثار القرار إدانات حادة من الاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي، التي وصفته بـ”التمييزي”، كما اقترح وزير خارجية لوكسمبورغ عقد جلسة خاصة للجمعية العامة لضمان مشاركة الفلسطينيين، مما يكشف عن انقسام دولي حول الدور الأمريكي. هذه الإدانات تعكس قلقاً متزايداً من أن الحظر قد يقوض الزخم الدولي لحل الدولتين، الإطار الأكثر قبولاً لتسوية الصراع.
يمثل هذا الحظر خطوة متسرعة تهدد بتقويض الدبلوماسية أكثر مما تخدمها. السلام في الشرق الأوسط يتطلب وساطة محايدة، لا إجراءات أحادية تعمق الانقسامات. القرار قد يحقق مكاسب سياسية آنية لترامب، لكنه يخاطر بإغلاق قنوات الحوار في وقت تشتد فيه الحاجة إليها. مع اقتراب اجتماعات الأمم المتحدة، سيحدد رد الفعل الدولي والفلسطيني مصير هذا الحظر. الدبلوماسية الحقيقية تتطلب بناء جسور، لا هدمها، وإن كانت الولايات المتحدة جادة في تحقيق السلام، فعليها إعادة تقييم نهجها. القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف دبلوماسي، بل رمز للعدالة يتطلب احتراماً متبادلاً. في النهاية، السلام المستدام يُبنى على الحوار، لا على الإقصاء، والشرق الأوسط يحتاج إلى وسطاء يوحدون، لا يفرقون.