الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق بين تعاقب حكومات الفساد وإمكانات الإصلاح.. دراسة في البنية السياسية والاجتماعية والفكرية

بواسطة azzaman

العراق بين تعاقب حكومات الفساد وإمكانات الإصلاح.. دراسة في البنية السياسية والاجتماعية والفكرية

عباس النوري العراقي

 

الملخص

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق بعد عام 2003، مع التركيز على ظاهرة الفساد المؤسسي وتعاقب الحكومات الفاشلة، واستكشاف سبل الإصلاح الممكنة. يتناول البحث بنية النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية، وانعكاساته على المجتمع والاقتصاد، ثم يقدّم مقترحات للإصلاح السياسي والاقتصادي والفكري والاجتماعي. ينطلق البحث من فرضية مفادها أن الأزمة العراقية ليست أزمة ظرفية مرتبطة بحكومة معينة، بل أزمة بنيوية تتطلب معالجة جذرية لإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة والكفاءة.

---

المقدمة

يمثل العراق نموذجًا معقدًا للدولة التي تعاني من أزمات بنيوية متداخلة: سياسية، اجتماعية، واقتصادية. فمنذ التغيير السياسي عام 2003، كان الأمل معقودًا على بناء دولة ديمقراطية حديثة تعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة. غير أن الواقع أظهر أن النظام السياسي الناشئ اعتمد على آليات المحاصصة والفساد، الأمر الذي أضعف الدولة وأفقدها قدرتها على تلبية حاجات مواطنيها.

يتناول هذا البحث ثلاثة محاور رئيسية:

1. الخلل السياسي وتعاقب حكومات الفساد.

2. الانعكاسات الاجتماعية والفكرية للأزمة.

3. آفاق الإصلاح وإمكانات تجاوز الأزمة.

---

أولاً: الخلل السياسي وتعاقب حكومات الفساد

1. المحاصصة السياسية

منذ 2003، بُني النظام السياسي على قاعدة توزيع المناصب وفقًا للهويات الطائفية والقومية، وهو ما عُرف بـ"المحاصصة". هذه الآلية حوّلت مؤسسات الدولة إلى غنائم تتقاسمها الأحزاب، وأدت إلى تهميش مبدأ الكفاءة والنزاهة.

2. الفساد المؤسسي

لم يعد الفساد مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبح بنية متجذّرة تحكم العلاقة بين السلطة والثروة. تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن العراق يُعد من بين أكثر الدول فسادًا في العالم. وقد أفرز هذا الفساد تعطيل التنمية وتبديد الموارد، وأدى إلى تقويض ثقة المواطن بالدولة.

3. ضعف السيادة الوطنية

أدى هشاشة النظام السياسي إلى ارتهان القرار العراقي لتجاذبات إقليمية ودولية، مما جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بالوكالة، وأضعف إمكانية صياغة مشروع وطني مستقل.

---

ثانياً: الانعكاسات الاجتماعية والفكرية للأزمة

1. تفكك الهوية الوطنية

أدى ترسيخ الهويات الفرعية (المذهبية، القومية، العشائرية) إلى تراجع الانتماء الوطني الجامع. المواطن العراقي بات يجد في طائفته أو قوميته ملاذًا بديلاً عن الدولة، وهو ما أسهم في إضعاف اللحمة الوطنية.

2. الفجوة الطبقية والتهميش الاجتماعي

ساهم الفساد وسوء الإدارة في خلق فجوة واسعة بين طبقة سياسية – اقتصادية ثرية وطبقات واسعة تعاني من البطالة والفقر وانعدام الخدمات. هذا التفاوت كان أحد العوامل الرئيسة وراء اندلاع الاحتجاجات الشعبية.

3. الحراك الشعبي وبروز وعي جديد

مثلت احتجاجات تشرين 2019 محطة مفصلية، حيث عبّر الشباب عن رفضهم الصريح للمحاصصة والفساد، وطالبوا بدولة مدنية ديمقراطية. هذا الحراك كشف عن ولادة وعي وطني جديد يتجاوز الهويات الفرعية.

---

ثالثاً: آفاق الإصلاح وإمكانات تجاوز الأزمة

1. الإصلاح السياسي

إلغاء نظام المحاصصة وتبني قوانين انتخابية عادلة قائمة على التمثيل الوطني.

تعزيز استقلال القضاء ليكون أداة فاعلة في مكافحة الفساد.

إعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة والمواطنة.

2. الإصلاح الاقتصادي

تنويع مصادر الدخل الوطني بدل الاعتماد الأحادي على النفط.

دعم الاستثمار في القطاعات الزراعية والصناعية لتشغيل الشباب.

مكافحة شبكات الفساد المالي والإداري التي تستنزف ثروات البلاد.

3. الإصلاح الاجتماعي والفكري

تعزيز الهوية الوطنية الجامعة من خلال التعليم والإعلام والمناهج.

تمكين منظمات المجتمع المدني لتكون شريكًا رقابيًا حقيقيًا.

صياغة مشروع ثقافي وطني يعزز قيم الحوار والتسامح والمواطنة.

---

الخاتمة

يتضح أن الأزمة العراقية ذات طبيعة بنيوية عميقة، ناتجة عن نظام سياسي يقوم على المحاصصة والفساد، ومترابطة مع أزمات اجتماعية وفكرية. الإصلاح لا يمكن أن يكون شكليًا أو جزئيًا، بل يتطلب مشروعًا وطنيًا شاملاً يضع أسس دولة المواطنة الحديثة، ويعيد الاعتبار إلى مبدأ الكفاءة والنزاهة.

إن مستقبل العراق مرهون بقدرة قواه السياسية والاجتماعية على تجاوز الانقسامات، وبناء عقد اجتماعي جديد يؤسس لدولة مدنية قوية قادرة على استثمار ثرواتها الهائلة في خدمة شعبها.

 


مشاهدات 63
الكاتب عباس النوري العراقي
أضيف 2025/08/31 - 3:06 PM
آخر تحديث 2025/09/01 - 3:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 92 الشهر 92 الكلي 11417965
الوقت الآن
الإثنين 2025/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير