المرأة بين عادات المجتمع وظلم التقاليد
زهــراء الســعدي
لطالما كانت المرأة محورا أساسيا في بناء المجتمعات ونهضتها، فهي الأم، والمربية، والملهمة، وصانعة الأجيال. ومع ذلك، فقد وجدت نفسها على مر العصور واقعة بين مطرقة الأعراف وسندان التقاليد، تكافح من أجل إثبات ذاتها وانتزاع حقوقها المسلوبة في مجتمعات تحكمها منظومات اجتماعية جامدة لا تعترف إلا بما توارثته دون تمحيص أو تجديد.
في مجتمعاتنا العربية، تمزج العادات بالتقاليد حتى يصعب التمييز بين ما هو راسخ بالقيم وما هو مفروض بفعل الجهل والخوف من التغيير.
الكثير من هذه العادات تقيد المرأة باسم “الستر”، وتكبل حريتها باسم “الشرف”، وتحرمها من التعليم والعمل والمشاركة السياسية والاجتماعية باسم “الواجب الأسري”، في حين أن تلك المفاهيم جميعها، لو طبقت بروحها لا بحرفها، لما تعارضت مع كرامة المرأة ولا مع طموحها.
إن أخطر ما تواجهه المرأة اليوم ليس فقط التمييز القانوني أو الاقتصادي، بل التهميش النفسي والاجتماعي الذي تمارسه العادات المتجذرة في العقل الجمعي. فعندما تربى الفتاة منذ طفولتها على الخوف من المجتمع، وعلى الصمت عند الظلم، وعلى التنازل عن حقوقها بدعوى الطاعة والحياء، فإنها تنشأ مؤمنة أنها أقل من الرجل، وأن مكانها الطبيعي هو الظل، لا الضوء.
لا يمكننا إنكار أن هناك جهودا كبيرة تبذل اليوم لتحرير المرأة من القيود التي لا تمت للدين أو الأخلاق بصلة. لكن الطريق لا يزال طويلاً، والمسؤولية تقع على الجميع: الأسرة، والمؤسسات، والسلطة التشريعية، والإعلام، والمجتمع ككل.
إن النهوض بالمرأة لا يعني تمردها على القيم أو الأسرة، بل تمكينها من حقوقها الأساسية، وتعزيز مكانتها كشريك فاعل ومؤثر.
المرأة ليست كائنا ضعيفا يحتاج إلى الحماية، بل طاقة قادرة على العطاء إذا ما أعطيت فرصة عادلة، وظروفا إنسانية، وبيئة خالية من القيود الظالمة.
المرأة بين عادات المجتمع وظلم التقاليد ليست مجرد قضية حقوق، بل هي معركة وعي، وثورة فكر، ونقطة تحول لمجتمعات تطمح إلى النهوض الحقيقي.