قراءة في Nature Index بين الألقاب الصامتة وانهيار البحث
عبد الجليل البدري
عندما ارتفعت الستارة عن تقرير Nature Index لعام 2025، كان وقع الرقم “1.15” أشبه بصفعةٍ على وجه حضارةٍ كانت يوماً منارةَ العلم والحضارة. العراق، بمساحته الشاسعة وتاريخه العريق، وجد نفسه في ذيل الإنتاج البحثي العالمي، محاصراً بين صمت المختبرات وغبار الأروقة الجامعية.
في ركنٍ هادئ من هذا المشهد المرير، خرج صوت الأستاذ محمد الربيعي، منسق شبكة العلماء العراقيين في الخارج. تحدث عن “الألقاب بلا محتوى” وكأنّه يروي قصّة سرابٍ يمتّد في الصحراء: كلما اقتربت منه اكتشفت أنّه سراب فقط. كان صوته مرتجفاً بالأمل واليأس معاً، يناشد ربط الترقية بالإنتاج الحقيقي لا بالمجاملة المؤسساتية.
لم يكتفِ بذلك؛ فقد أضاف الأستاذ سامي الجميلي مسحةً من الأرقام القاسية: ثمانٌ من جامعاتنا الأهمّ مدرجة في التصنيف الأحمر IR2، من بغداد إلى البصرة، ومن الموصل إلى الكوفة. كان كمن يقرأ الخريطة المقطوعة بوصلتها، ويجد نفسه تائهاً بين متاهات البيروقراطية والمحاباة.
تذكّرتُ ورشة الدكتورة مناد عاشج عام 2020، حين اجتمعنا على شاشةٍ افتراضية لنتحدّث عن “سموم المجلات المفترسة”. كنا نخشى أن تصبح طموحات الباحثين فريسةً لعصاباتٍ أكاديميةٍ لا تعرف من العلم سوى اسمه، ومن الشرف سوى تاريخه.
وفي خضم هذا السرد، تبزغ الأرقام لتروي فصولَها الصامتة: 17 ورقة بحثيةٍ على مدار عام كامل، معظمها في تخصصات صحية، فيما ظلت بقية العلوم تئنّ من غياب الدعم والاهتمام. بالمقابل، تلمع أرقامُ جيراننا: السعودية بواقع 176.65 نقطة، وإيران بـ136.45، وتركيا بـ114.38… فهل نحن ضحية ظروف أم ضحية فسادٍ وسوء إدارة؟
عندما تتحالف الولاءات الحزبية مع الألقاب المزيّفة، ويُفتح الباب واسعاً أمام “مصانع الأبحاث”، يصبح الحديث عن بناء جامعات قادرة على الابتكار ضرباً من الخيال. سياساتٌ تتبدّل مع كل وزير، دون رؤيةٍ وطنيةٍ ثابتة، وموازنةٌ للبحث العلمي تذوي قبل أن تولد.
هذا الانهيار لا يُصلح بتجميلٍ شكلي أو بقراراتٍ مرتجلة. نحتاج إلى ثورة تعليمية حقيقية: هيئة وطنية مستقلة تُحكّم الكفاءة، وقف مؤقت لقبول طلبة الدراسات العليا لإعادة بناء المعايير، وخطة تمويلٍ مستدامةٍ للبحث تمتد لعقدٍ على الأقل تحت رقابةٍ شفافة.
في الختام، يبقى الرقم 1.15 ليس مجرد إحصائية، بل جرس إنذارٍ يدقّ في أعماقنا. إن أردنا أن يعود للعراق مكانته بين الأمم المتقدمة، فعلى جامعاتنا ألا تكون منصاتٍ لتوزيع الألقاب، بل منابر لإشعال شعلة المعرفة. لنعمل معاً على استعادة هذا النور، ولنجعل القادم أكثر إشراقاً.