العلاقات الحقيقية لا تُقاس بالعدد بل بالصدق
ثامر محمود مراد
في زمن أصبحت فيه الأرقام مقياسًا لكل شيء، من عدد المتابعين إلى حجم العلاقات الاجتماعية، يغيب عن أذهان الكثيرين أن الجوهر لا يُقاس بالكمّ، بل بالكيف. ليس كل من يحيط بنا قريبًا منّا، كما أن وجود الأشخاص حولنا لا يعني بالضرورة أن هناك صلة حقيقية تجمعنا بهم.
قد نجد أنفسنا في أماكن مزدحمة، محاطين بالأصدقاء والمعارف، لكن نشعر بوحدة ثقيلة وكأننا غرباء عن هذا العالم. وفي المقابل، قد يكون هناك شخص بعيد عنا جغرافيًا، لكنه يحمل في قلبه ما يجعل المسافة تختفي، وكأن حضوره معنا لا يغيب لحظة.
القرب الحقيقي لا تصنعه المسافات القصيرة، بل تصنعه الأرواح التي تعرف كيف تلتقي دون كلام، وتفهم دون شرح، وتحنّ دون سبب ظاهر. إنها روابط خفية، لا تُرى بالعين، بل تُحَسّ بالقلب.
وهكذا، فإن العلاقات التي تُبنى على صدق المشاعر، على التفاهم العميق، وعلى الإخلاص النقي، تكون أقوى بكثير من تلك التي تُبنى على كثرة اللقاءات أو المجاملات الزائفة. فالقلب وحده هو البوصلة التي تهتدي بها الأرواح نحو من يستحقون أن يكونوا حقًا «قريبين»، مهما باعدت بيننا الظروف.
في النهاية، علينا أن نُعيد النظر في معنى القرب، وأن لا ننخدع بمظاهر العلاقات السطحية.
فالقلب هو وحده القادر على خلق مساحات من الأُنس، حتى في أبعد المسافات.