التنين لا يزأر .. بل يبتسم
عماد آل جلال
في عالم يضجّ بالصراعات، ويعيد فيه التاريخ رسم خرائطه على وقع التقدم التكنولوجي والتدافع الاقتصادي، تنبعث الصين من رماد الثورة إلى بريق الهيمنة، لكن بهدوءٍ لا يشبه طبول الحرب. إنها تنهض، لا كغول عسكري، بل كتنّين يبتسم بمخالب ناعمة، كما وصفها ببراعة الدكتور طه جزاع في كتابه الجديد «الصين: مخالب التنين الناعمة». الذي صدر بطبعة ثانية مما يدل على نفاد طبعته الأولى.
هذا الكتاب ليس تحليلاً سياسياً تقليدياً، بل هو سرد معرفي عميق، يمزج بين التأمل الفلسفي والاستقراء الجيوسياسي، ليقدّم للقارئ العربي صورة بانورامية عن القوة الصينية الصاعدة، وعن طريقها الذي لا يُشبه طرق الإمبراطوريات الكلاسيكية.
يعتمد المؤلف على أدوات الصحفي المحترف الذي يعاين اللحظة، ويستخدم عُدّة المفكر الذي يقرأ ما وراءها. فالصين في هذا الكتاب ليست مجرد دولة عظمى، بل كائن حضاري متعدّد الأوجه، يُعيد تشكيل العالم وفق «حكمة قديمة» و»دهاء معاصر».
سور الصين
ما يلفت في الكتاب، ليس فقط دقة المعلومة وغزارة المصادر، بل قدرته على ربط الماضي بالحاضر. من كونفوشيوس إلى شي جين بينغ، ومن سور الصين العظيم إلى مبادرة الحزام والطريق، يتنقل المؤلف بين المحطات ليكشف كيف أعادت بكين تعريف القوة، من السلاح إلى السوق، ومن الغزو إلى الشراكة.
يتوقف جزاع طويلًا عند مشهد المواجهة مع الغرب، لاسيما الولايات المتحدة، لكنه لا ينساق وراء التهويل أو الانبهار، بل يعرض ما يشبه «دروساً صينية» في الإدارة، والصبر، والتسلل الذكي إلى قلب العالم، دون ضجيج.
الكتاب يخصص فصولا لملفات مهمة: علاقة الصين بالقوميات المسلمة، حروب التكنولوجيا، أزمة كورونا، والصراع حول الرواية العالمية. لكنه في الجوهر، يبقى كتابًا عن «التحول الكبير»، وكيف نجحت الصين في أن تكون «اشتراكية برأس مال»، و»إمبراطورية بلا استعمار».
«مخالب ناعمة»... توصيف ذكي لدولة تعرف متى تصمت، ومتى تتحرك، ومتى تُظهر وجهها الودود لتخفي قبضتها المحكمة. وهي رسالة غير مباشرة لكل من يظن أن القوة لا تأتي إلا على ظهر دبابة.
في زمن تتـــــــــــــراجع فيه أمريكا عن قيادة العالم، يبدو أن التنين لا يزأر... بل يبتسم.