الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حق الناس وحق السلطة

بواسطة azzaman

حق الناس وحق السلطة

عدنان سمير دهيرب

 

حين قرأت بلاغة الكلام الذي ذكر في أحدى المسرحيات اللبنانية و مفاده (أن الناس لها حق الكلام , والسلطة لها حق أن تسد أذنيها ) وجدته تجسيد فصيح و دقيق للمشهد الاجتماعي و السياسي السائد خلال الأعوام المنصرمة , إثر التغيير في شكل النظام السياسي , إذ تشكل حرية التعبير أحد مرتكزات الديمقراطية . و قد جسدت كل جهة الحق في إمتلاكها للحرية في الكلام و السلوك إزاء كل منهم الآخر .

ويرى المفكر الأمريكي والترليبمان أن حق الحرية في الكلام من الوسائل الضرورية للوصول الى الحقيقة . هذا هو السبب في ضرورة الحرية للمجتمع الصالح , و ليس السبب هو إشباع شهوة الكلام .

بيد إن السلطات خلال العقدين الماضيين ظلت تتعامل مع هذا الحق لإشباع الرغبة بالكلام ، و قد تجلى ذلك في سلوك الحكومات المتعاقبة . بتقويض ثلاث فعاليات : الأول تعاملها مع التظاهرات لاسيما حراك تشرين الذي شكل تحدياً صارخاً للسلطة  و تجسيداً لإرادة الشعب , واجهته السلطة بالقوة و العنف لإشاعة الخضوع و الهيمنة .

 و إنحرفت نحو السلوك الاستبدادي و إشاعة الخوف , و هو المبدأ الذي يرتكز عليه حكم الطغيان وفق مونتسكيو .

و ترى إن المطالبة بمصلحة الوطن العليا تحددها السلطة و آيديولوجيا الاحزاب التي تنحني لها الحكومات تحت ذرائع مختلفة , و ليس الحراك الجماهيري لقناعتها بضرورة خضوع الجمهور الى تلك الحركات السياسية لكي تستمر سلطتها . و غلبة مصلحة الأحزاب على مصلحة الدولة و المصلحة العامة أو مصلحة المواطن رغم إن حق المشاركة في الشؤون العامة يُعد أحد حقوق الانسان في النظام الديمقراطي . و يصبح تصدع حق الناس في حرية التعبير عن الرأي مشروعاً لرفضها تلك السياسات التي أنتجت واقعاً منقسماً .

و على الرغم من التضحيات الجسام التي قدمت على مدى ستة أشهر إثر التظاهرات و الاعتصامات التي شهدتها العاصمة و مدن الجنوب . لم ينتج  سوى تطبيق قانون تقليص سن التقاعد الى 60 بالمئة عاماً , و لم يكن مطلباً جماهيرياً و إنما إلتفاف على تلك المطالب .

و أعتقد أن هذا القانون كان إستجابة لدعوات سياسية بأحالة كل العاملين في زمن النظام السابق على التقاعد بغطاء قانوني تحت ذريعة توظيف الشباب في مؤسسات الدولة .

و الفعالية الثانية هو إعداد البرامج و إجراء اللقاءات مع المواطنين في وسائل الاعلام يومياً و السماح بتوجيه النقد اللاذع أحياناً الى المعنيين في السلطتين التنفيذية و التشريعية .

اعوام سابقة

وقد كشفت الأعوام السابقة , أن تلك الجهات المسؤولة التزمت الحق في أن تسد أذنيها دون الوصول الى الحقيقة , بالرغم من إن ما يطلق من كلام هو تعبير عن المعاناة التي تحيق بالمجتمع . و من واجب الدولة و مؤسساتها هو معالجة تلك المعاضل .

غير إن الأوليغارشية الحاكمة إستمرأت لعبة الإستمالة للجمهور على أسس طائفية و عرقية و دينية , و خلقت زبائنية للزعماء , و وسائل إعلام و تواصل إجتماعي تقوم بدور الدفاع عن تلك القلة الحاكمة من ناحية وإعتماد حرية الكلام و النقد للتنفيس من ناحية  أخرى من خلال إجراء الحوارات و اللقاءات في برامج تتزاحم فيها تلك الوسائل .

و هذه الطريقة أيضاً في حق حرية التعبير عن الكلام فقدت أهميتها لعدم وجود صدى للكلام . و بذلك فأن هذه الفئة الحاكمة إستعادت ما ذكره فريدريك الكبير ملك بروسيا في القرن الثامن عشر بالقول ( لقد إنتهيت أنا و شعبي الى إتفاق يرضينا جميعاً ، يقولون ما يشتهون ، و أفعل ما أشتهي ) .

وهي حرية لا تلتقي مع الغاية للوصول الى الحكم الرشيد ، و المسؤولية التشاركية ، و يؤكد  غياب التواصل و الاهتمام الذي أفضى الى تعميق الفجوة بين الفئة الحاكمة و الشعب الذي ما برح يكابد نقص الخدمات ويعاني من الأزمات الراسخة و المفتعلة في مجالات شتى .

ما أنتج عزوفاً عن الفعالية الثالثة بالمشاركة في الانتخابات  . و هي إشارة الى عدم رضا الناخبين الذي يمنح الشرعية للسلطة . باستثناء المستفيدين و الانتهازيين و أكثر هذه الفئة خطورة المثقفين لتأثيرهم على الرأي العام بهدف الحصول على الفتات من مغانم السلطة .

والعزوف أيضاً مؤشر على التآكل التدريجي للنظام السياسي . لأن السلطة مثلما يرى الباحث الاردني موفق محادين في كل مجتمع لا تعيش الاَ بقبول إجتماعي حتى لو كان هذا مبـــــــــــــنياً على وهم . ففكرة الاقتناع ضرورية لإستمرار السلطة . فالسلطة فيها جانب القهر , و لكن لا توجد سلطة تعيش بالقهر وحده .

سيادة الوطنية

إن الدولة بكل سلطاتها تهدف الى تنظيم الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الحفاظ على السيادة الوطنية , وفق القوانين السائدة للارتقاء بتلك الحقول , وإذا ما تخلت عن واجباتها فانها تفقد شرعيتها إزاء المجتمع (لان البشر في حاجة دائمة الى القانون و الحرية و العدل وما تستطيع الحكومة الصالحة دون سواها أن تقدمه لهم . لكن الحكم الصالح فن . لابد من تعلمه . (والترليبمان / فلسفة الحياة العامة ).

و إن حق الناس بالكلام يُعد في مقدمة الحريات , فهو مرآة الواقع , و لا يجب أن تصاب السلطة أذنيها بالوَقْر , طالما هناك عقد إجتماعي بينهما لحماية المجتمع .

 

 


مشاهدات 45
الكاتب عدنان سمير دهيرب
أضيف 2025/07/12 - 2:58 PM
آخر تحديث 2025/07/13 - 12:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 520 الشهر 8069 الكلي 11161681
الوقت الآن
الأحد 2025/7/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير