الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ثلاثون عاماً على رحيل علي الوردي

بواسطة azzaman

ثلاثون عاماً على رحيل علي الوردي

علي الزبيدي

 

في الثالث عشر من تموز 1995 توفي عالم الاجتماع ومؤسسه في العراق الدكتور علي الوردي ،شغلت كتبه وابحاثه الاجتماعية العلماء والمثقفين وافرزت مراكز البحث  العلمية جانبا من دراساتها لبحوثه  ولد الدكتور علي الوردي في 23/10/1913 في الكاظمية لعائلة يرجع في نسبها الى الامام الحسين بن علي ابن ابي طالب عليهما السلام وكانت ولادته في يوم عيد الاضحى الموافق 10/12 /1331 هجرية وهو المولود الرابع والوحيد لاسرته حيث توفي اخوته جميعم

تمرد على التعلم في الكتُاب  بعد ان تعلم القراءة والكتابة وترك المدرسة الابتدائية   لظروف اقتصادية مع كون والده كان صائغا معروفا في المدينة فأرسله والده الى محل العرب للعطارة لكنه انشغل عن زبائن المحل بمطالعة الكتب والمجلات  فترك العمل أو سرح منه وعند افتتاح اول مدرسة رسمية للبنين في الكاظمية اصر الوردي ابن التسع سنوات على الانتظام في المدرسة وكان له ما أراد وفي العام 1931 التحق بالدراسة المسائية في الصف السادس الابتدائي وبعد اكماله الدراسة الثانوية حصل على المرتبة الثالثة على العراق فالتخق بالجامعة الامريكية في بيروت كطالب بعثة وبعد حصوله على البكلوريوس ارسل الى جامعة تكساس فنال الماجستير علم 1948 وكذلك الدكتوراه في العام 1950

منهج ابن خلدون

كان الوردي متأثرا بمنهج ابن خلدون في علم الأجتماع. فقد تسببت موضوعيته في البحث بمشاكل كبيرة له، لأنه لم يتخذ المنهج الماركسي ولم يتبع الأيدلوجيات (الأفكار) القومية فقد أثار هذا حنق متبعي الايدلوجيات فقد اتهمه القوميون العرب بالقطرية لأنه عنون كتابه” شخصية الفرد العراقي” وهذا حسب منطلقاتهم العقائدية إن الشخصية العربية متشابهة في كل البلدان العربية. وكذلك إنتقده الشيوعيون لعدم اعتماده المنهج المادي التاريخي في دراسته.

تحليلاته في بنية المجتمع العراقي الحديث

تعتبر دراسة علي الوردي للشخصية العراقية هي الأهم من نوعها ومن الممكن أن نستفيد منها كمنهج للبحث لباقي بلدان الوطن العربي  .حلل علي الوردي الشخصية العراقية على اعتبارها شخصية ازدواجية تحمل قيم متناقضة هي قيم البداوة وقيم الحضارة ولجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية فهو بلد يسمح ببناء حضارة بسبب النهرين ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ آخرها قبل 250 سنة تقريبا.

قيمه بدوية

وصف علي الوردي العراق بالبوتقة لصهر البدو المهاجرين ودمجهم بالسكان الذين سبقوهم بالأستقرار والتحضر. فتنشئ لديهم قيمتان: قيمة حضرية وقيمة بدوية. فالعراقي ينادي بقيم الكرامة والغلبة. ولكن حياته تجبره على الانصياع لقيم التحضر.

حلل أغلب مناطق العراق ما عدا المناطق الكردية في العراق بسبب عدم إلمامه باللغة الكردية حسب قوله في كتاب “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي “. بالإضافة إلى تأثر الدكتور الوردي بابن خلدون فلا ننسى تأثره أيضا بالجاحظ في نظرته الموضوعية ومنهجه العقلاني وتحليلاته الاجتماعية والنفسية للسلوك البشري.

مميزات أبحاث ومؤلفات الوردي

تفرد العالم الدكتور الوردي بالدخول بتحليلات علمية عن طبيعة نشأة وتركيب المجتمع العراقي الحديث خصوصا بعد عهد المماليك وفيضانات دجلة والفرات وموجات أمراض الطاعون التي أما فتكت بأعداد هائلة من المواطنين الذين كانوا يقطنون الولايات العراقية على عهد العثمانيين أو أدت إلى هجرة أعداد غفيرة من مواطني الشعب العراقي إلى الولايات والأمارات العثمانية شرق نجد والخليج أو إلى الشام “سوريا ولبنان والأردن وفلسطين أو إلى مصر. ولا زالت الكثير من العوائل من الأصول العراقية محافظة على ألقابها العراقية.

ينقلنا الدكتور علي الوردي من خلال كتبه عبر مواضيع نحلق معه وخلالها في أجواء النفس وخباياها وما ورائياتها، مواضيع تقترب أو تبتعد بعناوينها عن التحليلات النفسية، ولكنها وعندما تطرق بجزئياتها أبواب الفكر الوردي تأخذ منحنى آخر لتستعرض مختبر اجتهاداته، لتخرج لابسة أبعاد كثيراً ما يفاجأ الذهن بعناوينها، ففي أسطورة الأدب الرفيع، يأخذ العنوان القارئ إلى مدى الأدب ليسميه على الوردي، وإلى فضاء تحليلي من نوع آخر. فالكتاب يحتوي على مناقشة فكرية جميلة بين مدرستين، الأولى معتزة بالشعر واللغة إلى درجة التزمت والتعصب والثانية يمثلها الكاتب تنتقد الشعر والأدب السلطاني والقواعد اللغوية المعقدة التي وضعها النحاة.

طرح  الوردي وناقش أثر الأدب واللغة على المجتمع العربي، ويضع أسباب اهتمام الخلفاء والسلاطين بها بشكل خاص حتى أصبح العرب من أكثر الأقوام اهتماماً بالشعر. وفي كتابه وعاظ السلاطين يطرح الوردي أموراً مختلفة منها أن منطق الوعظ الأفلاطوني هو منطق المترفين والظلمة، وأن التاريخ لا يسير على أساس التفكير المنطقي بل هو بالأحرى يسير على أساس ما في طبيعة الإنسان من نزعات أصيلة لا تقبل التبديل، والأخلاق ما هي إلا نتيجة من نتائج الظروف الاجتماعية. ومن خلال كتابيه “خوارق اللاشعور” و”الأحلام بين العلم والعقيدة” يأخذنا الوردي عبر التحليلات النفسية في مناحي تمس جميع الناس، فمن منّا لا يحب أن يعلم الكثير حول ذاك الشعور المكتنف بالغموض والذي يجترح العجائب، وعن تلك الأحلام التي تنثال صوراً عند انطلاق لا شعوره من معتقله عند نومه .

كتب الوردي ثمانية عشر كتابا ومئات البحوث والمقالات   . خمس كتب منها قبل ثورة 14 تموز 1958 وكانت ذات أسلوب ادبي -نقدي ومضامين تنويرية جديدة وساخرة لم يألفها القاريء العراقي ولذلك واجهت افكاره واراءه الاجتماعية الجريئة انتقادات لاذعة وبخاصة كتابه “ وعاظ السلاطين” الذين يعتمدون على منطق الوعظ والإرشاد الافلاطوني منطلقا من أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وان الوعاظ انفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها وهم يعيشون على موائد المترفين، كما اكد بانه ينتقد وعاظ الدين وليس الدين نفسه. اما الكتب التي صدرت بعد ثورة 14 تموز فقد اتسمت بطابع علمي ومثلت مشروع الوردي لوضع نظرية اجتماعية حول طبيعة المجتمع العراقي وفي مقدمتها كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ومنطق ابن خلدون ولمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الذي صدر في ثمانية اجزاء.

تعرض الوردي الى حملات ظالمة قادها الحاقدون والجهال ومن تلك الحملات انه عندما قرر الدكتور فاضل الجمالي رئيس الوزراء في حينها  اغلاق المبغى في بغداد في منطقة الصابونجية  باقتراح من وزير الشؤون الاجتماعية الكاظمي ايضا الاستاذ عبد الرسول الخالصي اعترض الوردي على القرار لاسباب صحية واجتماعيةعلى اعتبار ان هؤلاء البغايا وهن في هذا المكان   تحت رعاية الدولة  ومراقبتها من الناحية الصحية وانهن محصورات بنفس المكان من الناحية الاجتماعية فلا ينتشر مرض البغاء في كل مناطق العاصمة هذه الاسباب التي جعلت الوردي يعترض على قرار الجمالي الا ان الجهلة والحاقدين شنوا حربا هوجاء ضد الوردي وادعوا بأنه مع البغاء ولا يريد اغلاق محل البغايا وهكذا فأن الكثير من الذين ناصبوا الوردي العداء كانوا  لايطالون مقامه ولا يصلون الى  ما وصل اليه من علم ودراية بالمجتمع العراقي   .

لقد نقل الوردي علم الاجتماع من صيغته الاكاديمية الى صيغة جديدة هي صيغة المعايشة اليومية مع الناس يطلع على  افكارهم وما يؤمنون به من هذه الافكار ،على خرافات المجتمع ومصادرها وكل ما يتعلق بحياة الناس الذين يكونون المجتمع وهذا ما اكده الوردي في كثير من محاضراته وخاصة ما رد به على منتقديه من على شاشة تلفزيون العراق ضمن برنامج سيرة وذكريات الذي كانت تعده وتقدمه المرحومة السيدة الفاضلة ابتسام عبدالله في سبعينيات القرن الماضي.

تناول الكثير من الباحثين كتب وافكار وطروحات علي الوردي واحدث ما صدر عنه هو كتاب (مائة عام مع الوردي ) للدكتور محمد عيسى الخاقاني ويعد هذا الكتاب مرجعا لمن يريد ان يدرس الوردي دراسة علمية معمقة  بعيدا عن العواطف والانحياز،كما احتفلت الجامعة الامريكية في بيروت بمرور مائة عام على ولادة الوردي المفكر والعالم وكان احتفالا يلق بالوردي وما قدمه من عطاء للاجيال القادمة.

وفي هذا الصدد فقد كتب الدكتور طه جزاع مقالا في جريدة المشرق البغدادية بتاريخ 16 نيسان 2014 استعرض  فيه سر اهتمام مدني صالح رحمه الله بعلي الوردي ومما جاء في المقال:)وقد اعادني حديث الزميل علي حسين الى ما طلبه مني قبل سنوات الزميل سلام الشماع حين انتهى من اعداد كتابه (علي الوردي مجالسه ومعاركه الفكرية) وتمنى عليّ كتابة شيء عن علاقة مدني بالوردي،فكتبت له ان صالح كان قد اعلن بأنه مهد لعلي الوردي تمهيدا يليق بالفاتح الثقافي المجدد والانقلابي الخطير وفتح له أبواب المدينة الآمنة العاصمة هيت، وفتح له جميع أبواب الدور والمقاهي والدواوين والبساتين وأعلنه جليسا مؤنسا ومحدثا نافعا ممتعا ساحرا بالبلاغة والبيان وبالتجديد،ومن الجهابذة الفراهدة الاساطين،على جميع تخوت المقاهي بين الشاقوفة الى الدوارة وبين الدوارة الى الشاقوفة،وصدرا على أرقى الكرويتات في الدواوين!.

شهرة الوردي

وكان مدني يقصد بذلك الفصل الذي كتبه عن الوردي في كتابه أشكال وألوان الصادر في العام 1956 وهو عام مبكر في شهرة الوردي من دون شك، ولم يكن مدني ليفعل ذلك ويفتح له أبواب هيت ودورها ودواوينها ومقاهيها وبساتينها لو لم يكن متأكدا من أصالة هذا الفاتح المجدد.. كاظمي أعظمي بغدادي عراقي  يعبر جسر ألائمة من مسقط سكنه في الاعظمية إلى مسقط رأسه في الكاظمية ويعبر الجسر نفسه في العودة من مسقط الرأس إلى مسقط السكن عبورا تاريخيا لا عصبية ولا خرافة فيه.ثم يضعه بميزان مع طه حسين في قراءة ابن خلدون ومقدمته فنجده يرجح كفة الوردي على كفة حسين في منهج الطريقة النقدية بلا عصبيات وفي التأسيس للثقافة من إصلاح المجتمع الكاظمي الاعظمي البغدادي العراقي العربي العالمي الكوني بلا عصبيات وبلا مأزق من أثر التحرج بين القديم الماضي والحاضر الجديد،وفي فضيلة التماسك من الداخل في الداخل ضد عوامل التفكك من داخل ومن خارج.

 نعم كان الوردي كاظمي واعظمي لم تدخل الطائفية عقله وقلبه وبلا خرافة وجهل كان عراقيا عربيا سابرا لاغوار المجتمع بكل تفاصيلها يكره المدح والمتزلفين وبحب النقد البناء وقد لمست ذلك شخصيا منه عندما اتصلت به منتقدا احد مقالاته في صحيفة التضامن  وكانت عن حادثة مقنل دعبول الشقاوة النجفي في كربلاء من قبل احد ابناء الكاظمية،عام 1937 اثناء زيارة اربعينية الامام الحسين عليه السلام ، لقد اصغى الدكتور علي الوردي لعلي الزبيدي الصحفي الذي هو بعمر ولده حسان او اصغر منه بعام اصغاء العالم المفكر وبعد ان انتهيت من ملاحظاتي شكرني كثيرا ودعاني لزيارته في بيته وهذا ما حصل فعلا  حيث زرته مع اخي وزميلي المرحوم  الاستاذ سلام الشماع والصورة المرفقة   بالمقال وثقت تلك الزيارة ، رحم علامة العراق والعرب الدكتور علي الوردي فهو احد ابناء الكاظمية والعراق العلماء  الافذاذ الذين خدموا المجتمع بفكرهم وعلمهم.


مشاهدات 93
الكاتب علي الزبيدي
أضيف 2025/07/06 - 2:30 PM
آخر تحديث 2025/07/07 - 10:51 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 340 الشهر 3779 الكلي 11157391
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير