السامرائي يفكّك طلاسم الآخرين في سريالية فكرية
أمسية للإحتفاء بتوّقيع كتاب شيء ما
رياض عبد الكريم
رائد ومخضرم ومتفاعل مع الحياة بروح اليافعين وحلم المتأملين يكرر البدايات وكأنه قد ابتدأ الان لانه يدرك ان تكرار البدايات تعني الارادة والعزم ومابعدهما الهدف والنجاح لذلك فهو يظهر في كل مرة بلون جديد وفكر محتواه المعرفة والثقافة والوعي متضمنا عمقا في سايكولوجية الحوار ومبتغياته.
بهذه الكلمات ارتأيت ان ابدأ بتقديم الامسية الاحتفالية بأشهار وتوقيع كتاب مجيد السامرائي المعنون شيء ما، والتي اقيمت في كاليري وقاعة الاورفلي في عمان وبحضور جمع غفير من الجالية العراقية والاشقاء الاردنيين المتابعين لبرنامجه ذائع الصيت (اطراف الحديث) على قناة (الشرقية)، واضفت قائلا:
امضى اكثر من ثلاثين عاما وهو يتجول ويبحث في عقول ونفوس شخصيات متنوعة الفكر والثقافة والاختصاص مستسهلا اللقاء بهم دون ان تخيفه ثقافاتهم وتخصصاتهم وهو العارف ربما بما يوازي مايعرفون وبماذا يفكرون انه عراب الاستكشاف والتوغل والباحث عن المجهول والمستلهم من العقول والتجارب ما يكفيه لخوض غمار النقاش والمواجهات في برنامجه التلفازي اطراف الحديث والذي مضى عليه اكثر من عقدين من الزمن يناقض عنوانه تواضعا لانه يدرك ويعرف عمقه اكثر من كونه طرفا من الحديث. عندما اتصل به هاتفيا وأسأله كيفك يامجيد؟ يجيني والله «ما اعرف شبيه!» لكني اعرف مابه انه يبحث عن اناس يتشابهون مع طيبته وبساطته وتلقائيته، وغالبا ما يتعثر في العثور عليهم لذلك يلجأ للحديث مع ذاته عوضا عن الاخرين وكأنه قد انصاع لحكمة فرويد عندما يقول (نستطيع ان نقاوم الهجوم والنقد، لكننا عاجزون امام الثناء ، ونحن نسعى لان نتجنب الالم اكثر من سعينا لأن نجد السعادة).
حيثيات التكوين
انا اجد في كتابه المعنون شيء ما جزء من شخصيته فهو ايضا شيء ما ولكنه من كل شيء، انه سريالية فكرية تبحث في المنظور واللامنظور وتغوص في حيثيات التكوين والاستنتاج وفي اختزان الرؤى والتفسيرللبحث في شواهد حياتية مكوناتها، شخوص واحداث تحركها سايكولوجية ذاتية متعلقة بالامكنة والزمانات بحسب تفاصيلها واختلاف معانيها.
فهذه المتنوعات هي حتما رمزية الذكريات التي تأسست عبر علاقات نمطية احتوت الكثير من الاسئلة والاجوبة من خلال شخصيات واحداث لها من الاعداد ما انتجت الاف الاجوبة لمختلف شؤون الحياة لتختزنها ذاكرة السامرائي في حدود التعامل الفكري والمعرفي.
(انا بطبيعتي انسان ساخر لكنها سخرية محدودة بأطر ثقيلة واحيانا تخرج عن اطرها) والقول للسامرائي في كتابه شيء ما، وهذا ماتؤكده حواراته عندما يخرج عن الاطار ويجول في عوالم اخرى خارج النص.
في حين يتشاطر في تعريفه للصحفي فيقول (يصبح الصحفي صحفيا متى ما انتقى لغة يأنس لها القراء من مثقفين وانصافهم ومتعلمين وانصافهم ويصبح الصحفي صحفيا، متى كان لأسمه دوي كدوي الطبل بعد كل هذا اقول انا لازلت صحفيا في القماط) فكيف يكون السامرائي صحفيا في القماط وهو الذي اعتلى سلم الكمال والاكتمال، لكنه يصر على البقاء في القماط، وعرفت مجيد ناقدا تشكيليا لكنه ابتعد عن هذا التوجه واقترب من الشاشة الصغيرة لكي تظهره وهو مرتديا ربطة العنق تعويضا لعدم ارتداؤها خارج الاستديو على طريقة الممثلين من جيل الستينات، هاويا ومتابعا افلام هوليود لتكون مادته في مقعد امام الشاشة ليؤكد حضوره كناقد بارع ومتوغل ليس في المجال السينمائي بل حتى في ثقافات الفنون التشكلية، وفيما يلي ماكتبه عن اوجه التماثل بين جواد سليم وبيكاسو:
كلاهما يعبران عن رؤية مماثلة ، متعددة القنوات وموضوعها في الغالب الانسان، بيكاسو عبر عن انسانيته من خلال زيجاته المتعددة والمختلفة ، لكن جواد سليم تزوج الحضارة العراقية واخلص لها مركزا على عظمة الانسان وقيمته في الوجود.
وفي شيء ما ايضا نجد في كتابه كل الاشياء، فسردية الكتاب تنقلت في عوالم الفكر والثقافة دون تسلسل زمني ولا تشابه مكاني، لأن نصوصه كالفسيفساء ثمة نوادر حكايات اسماء مشاهير فنون حوارات دراما مسلسلات وقائمة تطول، لايجمعها منهج ولا سيناريو لكن القاسم المشترك بينها هو توهجات وربما ذكريات ولكن بفلسفة نصية هي واحدة من ابتكارات او اسلوب تميز به السامرائي مجيد.
ويختم السامرائي مجيد رحلته في شيء ما فيقول:
كان يقال لي: انت حطاط عناوين على ان اختصر في الدهر فيكون التشجيع بأشكال بسيطة تكون كلمة عفية ولا أجمل منها.
المهم ان اسمي مكتوب على الصفحة الاولى، ثم دبت رجلي لأعيد تأثيث مقعدي امام الشاشة الصغيرة في عهد كورونا الزاهر وفي ظل عزلة يحسدنا عليها ماركيز، فجمعت نصوصي في (الزمان)، فأذا هي جديرة بالنشر في كتاب تعهد بنشرها هيثم فتح الله عزيزة والذي في داره الاديب البغدادية للنشر كنا نجتمع مطلع التأسيس، وانا اتربص اليوم الذي ينشر فيه هذا النص ولا ادري لماذا اردد:
علمتني الحياة ان لها طعمين
مرا وسائغا معسولا
فتعودت حالتيها قريرا
وألفت التغيير والتبديلا
والقى عبد الكامل الخلاليه وهو كبير معلقي قناة (الشرقية) وقراءة نصوص البرامج كلمة جاء فيها:
«شيء ما... انه لامر مدهش، لقد كان الرجل الموما اليه والمشار الى مقامه يرى انه يكتب في الماضي افضل من المستقبل، انه منتم بجدارة للقرن العشرين قبل ان تطلع بدع التكنولوجيا الان، كان يكتب بالقلم الجاف على ورق اسمر عن شاشة صغيرة بيضاء، وتلك نقود كانت في البدء تقترب من الفطرة لكنها وبعد دخول ماكنة التلفزيون جلس مع المخرجين على البساط السندسي واعاره المؤلفون نصوصهم وعرف عن كثب افضل تفسير لكلمة سيناريو، صار يحسب له خمسمئة من اصل الف حساب.» هذا يعني ان السامرائي مجيد اكبر من حجم المخضرم واوسع من حدود الرواد، انه فعلا شيء ما.
وشهدت نهاية الامسية العديد من المداخلات والاسئلة ومن ثم توقيع الكتاب.