الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كيف تقوّض واشنطن مصداقيتها؟

بواسطة azzaman

كيف تقوّض واشنطن مصداقيتها؟

 علي ستار الربيعاوي

 

    تُظهر السياسة الخارجية الأمريكية نمطًا متكرّرًا من التناقض البنيوي بين الخطاب الدبلوماسي والممارسة الواقعية، وهو ما يُمكن توصيفه بـ”متلازمة عدم المصداقية”، كأحد أبرز سمات الأداء السياسي لواشنطن في العقود الأخيرة. وتتجلى هذه المتلازمة بوضوح في طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع الأزمات الدولية، خاصةً مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وآخرها الحرب المفتوحة بين إيران والكيان الصهيوني، والتي انعكست بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي والدولي.

     فعلى الرغم من رفع واشنطن لشعارات الالتزام بالقانون الدولي والانساني، واحترام مبادئ الحوار، والدعوة إلى خفض التصعيد، فإن سلوكها العملي غالبًا ما يُناقض هذه الشعارات. ويتضح ذلك جليًّا في سياق المفاوضات النووية مع طهران، والتي استؤنفت في نيسان/أبريل الماضي، حيث مارست الولايات المتحدة سياسة مزدوجة جمعت بين الضغط والتفاوض، إذ كانت تُقدّم نفسها وسيطًا يسعى لإحياء الاتفاق النووي، بينما في الوقت ذاته كانت تدعم بصورة غير محدودة خطة العمليات العسكرية والاستخبارية الاسرائيلية لضرب الأراضي الإيرانية.وتُطرح هنا تساؤلات مشروعة حول مدى جدّية واشنطن في التوصل إلى تسوية دبلوماسية، في ظل استمرارها بفرض العقوبات، وتجاهلها للاستفزازات الإسرائيلية المتكررة ضد المنشآت الإيرانية من جانب، ومن جانب اخر دعوة طهران للرجوع الى مقاعد المفاوضات! مما يشي بأن المفاوضات لم تكن سوى أداة تكتيكية لتجميد الموقف الإيراني، وإتاحة الوقت اللازم لحلفائها لترتيب ضربة استباقية، وهو ما حصل فعلا. كما أن هذا النمط من السلوك السياسي الأميركي يُفضي إلى نتائج عكسية، أبرزها تآكل الثقة الدولية في حيادية الولايات المتحدة، وتراجع قدرتها على لعب دور الوسيط النزيه في النزاعات الإقليمية. ويتعزّز هذا التراجع مع انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، فضلًا عن سماحها الضمني باستخدام المجال الجوي العراقي من قبل الطيران الاسرائيلي بقصف الأراضي الإيرانية، في خرقٍ واضح لالتزاماتها ضمن الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية مع بغداد.

     وعليه، فإن متلازمة عدم المصداقية لا تُعدُّ خللاً طارئًا في السياسة الأمريكية، بل تمثّل مكونًا بنيويًا في استراتيجيتها تجاه مناطق النزاع، حيث تغلّب المصالح الجيوسياسية وموازين الهيمنة على اعتبارات القانون الدولي والأخلاق الدبلوماسية. وهذا ما يجعل من واشنطن طرفًا غير موثوق به في أية تسوية مستقبلية، ويفسّر في الوقت ذاته سبب تفاقم الأزمات بدلًا من احتوائها.

 محام

 


مشاهدات 42
الكاتب علي ستار الربيعاوي
أضيف 2025/06/17 - 4:32 PM
آخر تحديث 2025/06/18 - 11:29 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 380 الشهر 11650 الكلي 11146304
الوقت الآن
الأربعاء 2025/6/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير