الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين تطفئ القرارات وهج الأكاديميين

بواسطة azzaman

حين تطفئ القرارات وهج الأكاديميين

شكرية كوكز السراج

 

في زوايا الجامعات التي تزدحم بالقاعات والملفات الإدارية، يقف الأستاذ الدكتور بكل هدوء، شامخاً رغم التعب، يحمل في عينيه بريق شغف لا ينطفئ، وسنين من العطاء تتكدس على كتفيه دون أن ينحني.

مسؤولياته تتوزع بين التدريس اليومي والمهام الإدارية المعقّدة، فهو لا يعمل كأستاذ فقط، بل يتحرك كقائد أكاديمي في موقعه كمعاون عميد علمي، لا يغيب عنه تفصيل صغير ولا قرار إداري ولا قاعة تخلو من طلابه، الذين يجد في وجوههم أملاً لوطن يستحق أن يُرفع اسمه عالياً.

وحين تسافر عينه خلف الحدود، لا يفعل ذلك للترف أو المجد الشخصي، بل يشارك في مؤتمرات دولية ومحلية، يمثل العراق بكل فخر وعلى نفقته الخاصة، يكتب اسمه واسم بلاده في جداول العلم وصفحات البحوث، ثم يعود محملاً بالإنجازات، ليجد بابه موصداً وكلماته غير مسموعة، فلا استقبال ولا تكريم، ولا حتى همسة شكر، كأنما رفع اسم العراق لم يكن سوى جهد ضائع في صحراء البيروقراطية.

مؤسسات رسمية

يتفاجأ هذا الأكاديمي بقرارات جديدة تصدرها وزارة التعليم العالي، تربط ترقيته العلمية الحلم، الذي أفنى من أجله السنين، بشرط النشر النهائي في مجلات «Scopus»، وليس بمجرد قبول النشر، كأنما المؤسسات الرسمية غفلت عن كم المصاعب والعقبات التي تعترض الباحث العراقي، من غياب الدعم المالي، إلى صعوبة الوصول للمنصات العالمية، وكأنهم يطالبونه أن يشق البحر بيديه العاريتين.

وفي خضم هذا المشهد المثقل بالتناقضات، تراه يرهق نفسه بالعمل الإداري، بجهد لا يحسب ولا يعترف به، فمسؤولياته اليومية التي تماثل عمل وزير مصغر، لا تسجل له كرصيد علمي، ولا يمنح مقابلها أي تقدير رسمي، ومع ذلك يواصل بصمت، لا مدفوعاً برغبة في المناصب، بل مدفوعاً بفكرة نبيلة: أن الوطن أمانة، والعلم رسالة.

لكنّ النفس البشرية ليست حجراً، ولا القلب ماكينة صلبة، يتعب، يتآكل، يرهق من الصمت، حين يشعر أن العطاء أصبح عبئاً، وأن الإخلاص أصبح سذاجة، فبدلاً من أن يجد دعماً، يُحارب، وبدلاً من أن يُشكر، يُساء فهمه، وتُحبط روحه، يشعر أن جهوده تُدفن تحت ركام الإجراءات، وأن المسافة بينه وبين التقدير تزداد، حتى تغدو حلماً بعيداً.

هذه ليست مأساة فرد، بل رواية جيلٍ من الأكاديميين، الذين باتوا يشعرون أنهم آلات إنتاج مؤقت، بلا إحساس، بلا وزن، بلا صوت، وإذا استمرت هذه السياسات في تجريد الأستاذ من إنسانيته، وتهميش جهده، فإنها لن تخسر مجرد فرد، بل ستخسر طاقة وطن وروح مؤسسة.

مثلما بدأت وزارتنا تخطو بثقة وثبات بقيادة وزيرها الشاب، فإن مسؤوليتنا اليوم يجب أن تتكاتف، نعمل كفريق واحد، لا بجسد فقط بل بروح مليئة بالشغف... لأن العمل بحب هو البذرة الأولى لكل إبداع يثمر.

 


مشاهدات 102
الكاتب شكرية كوكز السراج
أضيف 2025/06/01 - 4:41 PM
آخر تحديث 2025/06/06 - 12:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 421 الشهر 5305 الكلي 11139959
الوقت الآن
الجمعة 2025/6/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير