الراحل رزاق ابراهيم حسن
عائد خصباك
هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها مدينة ( النجف )،والهدف من الزيارة،أن أكون في مطبعة الغري على الموعد،لأستلم مسودات أو بروفات مجموعتي القصصية الأولى( الموقعة) لألقي عليها النظرة الأخيرة، لعلها ما زالت تحتاج الى بعض التصحيحات المطبعية،كان هذا بدايات السبعينات، وحسب الإتفاق مع الراحل حميد المطبعي، الذي يعمل مع أخيه الأكبر في المطبعة تلك، كان ذلك في أوائل سبعينات القرن الماضي،في هذا المكان كانت تطبع أيضا ( مجلة الكلمة)وهي مجلة تعتبر طليعية آنذاك، نشرت فيها العديد من قصصي القصيرة،وقد رأى حميد الذي يشرف عليها، أن ينشر لي كتاباقصصيا ضمن منشورات مجلة الكلمة، بالفعل نشرت المجموعة وكانت تحمل رقم 20 ضمن منشوراتها.
كان حميد موجودا مع أخيه في المطبعةعندما وصلت،لكن هذه المرة وجدت شخصا ثالثا،قدمه لي حميد(رزاق ابراهيم حسن)،كان شابا نحيلا، يعتمر (كاسكيت)تعمل مقدمته ظلا خفيفا على عينيه، فكان حينها، بالنسبة لي، يشبه احدى شخصيات الكاتب الروسي ماكسيم غوركي في رواية الام ،وتلك الشخصية أخذت لها مكانا في مجموعة العمال التي خرجت من احدى مصانع الحديد تنادي بملئ حناجرها بالخلاص من حكم القيصر الروسي، بالنسبة لي،كما لو أن ذلك العامل توقف برهة عن المسير ليلقي تلك النظرة على غلاف الكتاب الذي كنت أحمله مع أوراق التصحيحات التي عليّ أن أسلّمها، وأستلم بدلها أوراق التصحيحات الأخيرة،أعاد الشاب (رزاق) مثل تلك النظرة ثانية،ومعها: لعلك يا أستاذ أنهيت قراءة الكتاب المدهش الذي تحمله؟
قلت:أنهيته بالفعل،معنى هذا أن لك علما بـ(كافكا)وروايته(المسخ)المترجمة الى العربية.
كان كافكا المثال المحتذى من قبل كثيرين من كتاب القصة والرواية في الستينات وبعدها على صعيد الشكل والمضمون وكانت كتاباتهم تشكل تيارا جديدا منطلقا بطريقة ابداعية تجدد من فعل الكتابة.
لم يجب وعاد الى عمله في تصفيف الحروف بتلك الطريقة البدائية القديمة،قال حميد: رزاق شاب عصامي،بدأ من الصفر،من لا يعرفه يظن أن لا إمكانات أدبية منوعة متمكن منهل، بشكل خاص في الشعر،
وقال لـ رزاق: لعلك تسمعه شيئا.قال رزاق: سأسمعه بعد أن يعطيني الكتاب على سبيل الإعارة.وبدل أن أسمعه شيئا من شعري، ها انا أوعده أني سأقوم بالتصحيح الأخير لمجموعته القصصية،وإذا كان هناك امكانية، سأكتب عنا رأيا، أتمنى أن الله يمكنني من ذلك. سلمته الكتاب يدا بيد، شكرني وشكرته مقدما على ما أبداه من تعاون.
مرتسنوات عديدة على هذا الحدث، انتقل رزاق الى بغداد وعمل يالصحافة، وكنا نتقابل من حين لآخر،وفي كل لقاء نتحدث كثيرا، كما لو كان هذا آكر لقاء بيننا.
في عام 2016 توجهت الى مبنى دار الشؤون الثقافية الذي يقع في ضواهي بغداد،لاستلام النسخ المخصصة للمؤلف من كتابي (باب السيف :دراسة في قصة الستينات العراقية). وكانت صدفة غير متوقعةبالنسبة لكلينا أن ألتقي بالعزيز رزاق ابراهيم حسن وهو في طريقه لمغادرة مبنى الدار، وطلبت منه أن ينتظرني ريثما تنتهي مهمتي، بالفعل وجدته ينتظرني في غرفة الإستعلامات.
قدت السيارة التي معي،وهي تابعة لأحد الأصدقاء لكني أستخدمها كلما أعود من الخارج لأرض الوطن، وأثناء حديثنا المتشعب،قطعه رزاق كما لو كان تذكّر شيئا وخاف أن ينساه: كتابك عندي في الحفظ والصون،هذه أمانة عندي، دعنا نتفق على وقت نلتقي فيه ثانية لتستلمه.
قلت:أي كتاب تعني؟قال: كتاب كافكا( المسخ) وقد أعرتني إياه في النجف أيام طبع كتابك (الموقعة). قلت :للأسف ،غدا سأسافر و عليّ أن أنجز أعمالا عندي لا زالت متعلقة
كان هذا اللقاء بيننا هو الأخير.