لوحة الوداع تترأّس المعرض الإستعادي للعبدلي
تشكيلي يشدّه الرصاصي وتستهويه الألوان الهادئة
بغداد - إنعام العطيوي
جسدت لوحة «الوداع» ذاكرة فنية للعراقيين منذ ثمانينات القرن الماضي بريشة التشكيلي (ابراهيم العبدلي) الذي حط بمعرضهِ الاستعادي على ارض قاعة متحف الفن التشكيلي العراقي بوزارة الثقافة مع 27 لوحة فنية استمرت لمدة عشرة أيام على هامش مؤتمر القمة العربية في بغداد،
وحملت اللوحات عبق تاريخ المشاعر العراقية الاصيلة لحقب فنية مر بها المتذوق العراقي جسدت أوجاع الدخول في حربٍ عبثية لأنظمة ليس للشعوب بها ذنب سوى انها كانت تحت سلطة القوى العارمة غير المستقرة ومهدرة للثروات والارواح اخذت لوحة الوداع صداها عام 1986 عندما كانت المرأة العراقية ترش أمالها بالماء لعودة الشباب اليانع من ارض المعركة متعلقة امال الشعوب بالرغبة للاستمرار والحياة، شاع صيت هذه اللوحة في الاوساط الفنية والاعلامية مترسخة في الذاكرة العاطفية للمتلقي العراقي ملامسة لأوجاعه دون ان تستذكر صاحب الريشة التي رسم هذا الكم الهائل من الوجع الممزوج بالأمل للبقاء على قيد الحياة.
وفي بادرة فريدة من نوعها انفردت وزارة الثقافة باستضافة صاحب ريشة لوحة الوداع بمعرضٍ استعادي لقيمتهِ الفنية وتاريخهِ العريق أبت إلا أن يكون مقامهُ لا يعرض في قاعات عادية بل اختارت أن يُعرض على قاعات متحفية، رغم الجدل الفكري حول مغايرة أساليب العرض بقاعات متحفية، من بابٍ آخر هيبة اللوحات القادمة من المهجر وقيمتها التاريخية والريادية للعرض بمقامٍ فخمٍ ومهيبٍ لا يُعرض إلا في قاعاتٍ متحفية، وهنا نقطة البداية فلكل عملية جدلية امراً مثيراً للأعجاب فلا يكون عملاً جاذباً ان لم يُثير الجدل للمفكرين والمثقفين والأكاديميين، ومن هذه النقطة بدأت رحلة البحث العلمي لكوكبة من الباحثين العراقيين الأكاديميين من أختصاصات فكرية وعلمية وفنية مُختلفة للقاء بطائر الحب والحرب والأمل من خارج أسوار الوطن بلوحاتهِ التاريخية على أرض معرض متحف الفن التشكيلي والموسومة ( قاعة فائق حسن للفن الحديث) كان من بينهم (حسنين صادق عايد، و جعفر صادق عايد و وائل الغريري) ومن مفارقات القدر آن يهب العبدلي للباحثين واقعية تحمل توقيع الفنان الراحل «فائق حسن» كُتب فيها (ان الفنان إبراهيم برهن على إمكانياته الفنية والمعرفية لمست بمُجمل أعماله الفنية على تقنيتهِ الحساسة ولمساتهِ بمضمون أعماله، ونشعر بهذا في نتاجاتهِ المُستمرة التي أثبتت عن تجربة خبرته لسنين عديدة» فبعد 30 عام من هذه الكتابة للفنان الراحل فائق حسن تُعرض الأعمال الفنية للفنان إبراهيم العبدلي على قاعة فائق حسن، وهذه بادرة ريادية تُحسب لحنكة الإبداع بالاستمرار بالعطاء بالنسبة للفنان وحكمة الإدارة والتخطيط في بناء مستقبل فني ريادي عراقي يليق بتاريخ الفن العراقي.
وما زاد من وهج هذا العرض أنها ترأست قاعة العرض لوحة «الوداع» في حين كان أقدم اللوحات المعروضة بعنوان «الممرضة» تعود لعام 1972 أما أقلها عمراً كانت لوحة «طعن الكرب» تعود لعام 1992، كما تضمن العرض لوحة بعنوان «الفلاح» تعود لعام 1986 ولوحة «الملايات» لعام 1988، ولوحة «العطش» العائدة لعام 1979، إضافة الى مجموعة لوحات بروتريت لشخصيات المجتمع العراقي الرائد أمثال (وداد الاورفلي، وبدر شاكر السياب)، وجميع المدارس التي استخدمت في رسالتهِ الفنية كانت في لوحاتهِ المعروضة من المدرسة الواقعية، وتعد أقرب لوحاتهِ لنفسهِ هي لوحة «الاحتلال» رغم انهُ يعد كل لوحاته هي قريبة من نفسه لانها جسدت حقب تاريخية مر بها الفنان وعايشها، أما الان فبعد 85 عاما فهو يخوض مرحلة الترميم للوحاتهِ الفنية الرائدة ويعمل على جمع لوحاتهِ لترميمها لان الفنان يمر بعدة مراحل فبعد الإبداع والريادة تبدأ مرحلة الترميم وهذه تعد أعلى مراتب الخبرة الفنية للفن التشكيلي.
حداثة وتقليد
ويجد الفنان العبدلي آن اكثر الألوان التي تشده للوحة هو اللون الرصاصي كونه من الالوان الهادئة، ووجه العبدلي نصيحة للفنانين التشكيليين المقبلين على الحداثة أن تتلاقح افكارهم بالمتابعة للمعارض رغم أنهُ يدعم الحداثة في الفن الا انهُ لا يستهوي التقليد فطرح فكرة حديثة في الفن تستلزم البحث والمتابعة والتجديد في الأفكار فهو يعتقد ان الفن الواقعي هو أكثر الفنون الناقلة للواقع والمجسدة لهُ، مشيراً أن ما وجدهُ من حداثة في الطرح الفني الحديث الآن ينقل حداثة المجتمع العراقي وتطورهُ، وأصبح مجتمعاً أكثر انفتاحاً للفن والحرية رغم أنهُ كان سابقاً يعاني من تقييد للحرية، أما الآن فان الحرية التعبيرية في الفن أصبحت أكثر اتساعاً وأكثر تمكناً في طرح المواضيع.
ولتقييم أي عمل فني يعتمد الفنان في مدرستهِ الفنية الواقعية على رأي الأطفال لامتلاكهم المصداقية في الحوار فالواقعية دائماً بحاجة الى مصداقية، وهو فنان لا يحصر تاريخهُ الفني بتعداد للوحات نتاجهِ الفني لكنه شرع في كتابة مذكراتهِ لاصدارها كمؤلف خاصة انه عاصر أسماء فنية أمثال ليلى العطار وراسم الجميلي ونزيهة سليم ونزار سليم.
من جانب اخر اوضح العبدلي ان من بين مواهبه الفنية السابقة انه كان يمارس قراءة المقام العراقي الأصيل.
ورغم الذاكرة المزدحمة للفنان لكنه مازال يذكر رحلته الدراسية لدراسة الماجستير في انكلترا ومحاولة بريطانيا احتواء هذه الكفاءة الفنية للبقاء كاستاذ جامعي في بريطانيا الا ان حنينه للعودة للوطن أثر الا ان يعود في ثمانينات القرن الماضي الا ان الانظمة في تلك الحقب لم ترحب باستيعاب كفاءات لا تنتمي للاحزاب الحاكمة آن ذاك، فعاد للتدريس كمحاضر للفن المعماري ثم غادر العراق ليهاجر بريشته الفنية ويمارس عملهُ الفني من خلف الحدود.
تجدر الاشارة الى ان ابراهيم العبدلي من مواليد بغداد 1940 من منطقة الفحامة تخرج من اكاديمية الفنون الجميلة درس الرسم في المملكة العربية السعودية عام 1966 وعين في معهد الفنون الجميلة عام 1972 حاصل على شهادة الماجستير من جامعة مانجستر بوليتكنيك عام 1980.