سوريا الإنتقالية
علاء هادي الحطاب
تعيش سوريا اليوم مرحلة انتقالية ما بين حكم شمولي دكتاتوري كان يحكم من خلال حزب واحد اوحد وهو حزب البعث، مارس انتهاكات كبيرة لحقوق الانسان ابان فترة حكمه سواء خلال فترة الاسد الاب او الابن، الامر الذي ولد عدد كبير من الضحايا مقابل عدد كبير من المنتهكين لحقوق الانسان، وبين حكم اخر يقف بالضد تماما من سلطة الاسدين ومعه عدد كبير من الضحايا، بغض النظر عن شرعية السلطة الجديدة في سوريا، لكنها تُعد اليوم سلطة الامر الواقع، وعادة المرحلة الانتقالية ما بعد الحكم الشمولي او عقب حروب اهلية تشهد اعمال عنف ثأرية مقابلة، اذ يقوم الضحايا بأخذ الثأر ممن انتهك حقوقهم ابان المرحلة الماضية، ما يولد حالة ثأرية جماعية تضيع خلالها حقوق الضحايا والمشتبه بكونهم منتهكين، كما تجد التصفيات السياسية والطائفية والعرقية والاثنية طريقها للنمو والانتشار مستغلة انتقالية المرحلة ما بين حكم شمولي انهار وانتهى وحكم جديد لم يمسك بزمام الامور بشكل تام، ولم يكتسب الشرعية القانونية والاجتماعية.
لذا وجدت العدالة الانتقالية بعدّها وصفة علاجية ناجحة في معالجة مثل هذه الحالات، بشرطها وشروطها، لذا يضع المختصون في القانون والسياسية والاجتماع ستراتيجيات تناسب طبيعة البلد في سبيل الوصول الى عدالة انتقالية هدفها المصالحة الوطنية وبناء السلام وتحقيق الاستقرار المجتمعي والسياسي، ويبقى نجاح مشروع العدالة الانتقالية متوقف ليس فقط على القوانين والقرارات والاجراءات المتبعة نظريا فقط، بل الاساس في نجاحها يكمن في تنفيذ ستراتيجيات العدالة الانتقالية وفقا لتجارب عالمية ناجحة مع الاخذ بنظر الاعتبار خصوصية كل مجتمع وبلد.
الان وبعد ان شرعت سوريا بتشكيل هيئة مختصة بالعدالة الانتقالية واخرى للمفقودين، فعلى سلطة سوريا الجديدة اذا ارادت حقا نجاح تجربة عدالتها الانتقالية ان توكل الامر الى مختصين يمتلكون قدرا كبيرا من المهنية والحيادية وعدم الانحياز والاحكام المسبقة، لان العدالة الانتقالية وفي سبيل نجاحها ستمر بعدة خطوات او تستلزم عدة عناصر، منها كشف حقيقة الانتهاكات، ومن ثم المقاضاة امام القانون، وتعويض الضحايا ماديا ومعنويا وجبر الضرر لديهم، كما يستلزم نجاح اية تجرية للعدالة الانتقالية الاصلاح المؤسسي، سيما الامني، وصولا الى هدف العدالة الانتقالية وهي المصالحة الوطنية، ونجاح هذه العناصر يتطلب مقدار كبير من المعرفة القانونية والتحقيقات الحيادية، وقبل كل ذلك يستوجب الامر ارادة سياسية لنجاح العدالة الانتقالية في انجاز اعمالها، دون فرض او رفض او تدخل او استغلال، كي لا تتحول هذه الهيئة سيف مسلط على الجاني والبريء معا.