قصة ناقصة بمنزلة تاء التأنيث
علي السوداني
سأجربُ كتابة واحدة من قصار القصص بجلسة واحدة . كنت فعلتها مرة ثم هجرتها نشداناً لهيبة النص وحرمة بيت القصة العظيم . لن أبدأ بتلك البعوضة التي تطنطن حول صيوان أذني وتسكر بدمي . طاولتي مستطيلة وقهوتي مرة مثل أيامي . سأحذف هذا التوصيف البائس لأنه مستل من باب تجميع العطف والشخصية المتطلبة الملحاح .
تكرار بعض المفردات وإعادة التدوير يشبه عملية شراء طابوق إضافي لكمال البناء ، لذلك سأعيد وصف الطاولة بأنها مستطيلة تشيل فوق ظهرها فنجان قهوة ومرمدة مثلومة .
ثمة علبة كبريت ينام بجوفها ثلاثون عوداً برؤوس حمر ، وهذه نافعة في إشعال لفافات التبغ ونبش الأسنان ولعبة الحظ المفتوح.
الكرسي ليس من الصنف الذي يقف على أربع ، بل هو من ذاك النوع المستعمل بخيام العزاء وحدائق بيوت بغداد العاطرة وهو معمول من حديد أبيض ولفائف لدنة مثل شعر بنات .
حاولت الهروب من ذكر المكان والزمان ، لكنني سقطت قبل سطرين ببئر بغداد ، والآن سأكتب إنَّ الوقت هو فجر يتثاءب وزفة عصافير مزعجة .
شعرت بتعب قليل فحركت مقعدي إلى الخلف وشبكت عشري فوق رأسي وأنتجت صفنة مركزة لملمت فيها بعض الجزيئات الهاربة من المشهد ، وربحت سلة دسمة من حروف العلة والعطف والتحقيق والتقليل ، لكن لا حدث شافٍ حتى الآن .
نافذتي تطل على مفتتح الزقاق ، وهذا أمر جيد يتيح لي فرجة رائعة على حاوية الزبالة وما حولها من قطط غبية لا تأكل الخبز حتى لو كان مهشماً مائعاً منقوعاً بماء الكروش.
ثمة الآن الكثير من الملل والتيه والرغبة القوية في الخروج عن سكة القص .
التدوير والتكرار والمحو وتشبيك الأصابع بعجين اللغة .
أللص الذي لم يظهر كي أُركبه فوق سنام القصة .
يبدو أن الخديعة لم تنجح في حلب الحكاية .
أللعنة عليَّ .