الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ظاهرة الإبداع الفطري

بواسطة azzaman

ظاهرة الإبداع الفطري

علي العزي

 

في عالم الإبداع، تُعدّ ظاهرة تداخل الحواس تجربة حسية عميقة وفريدة من نوعها، ومن النادر أن يعرفها العقل ، إذ تعد حالة عصبية فريدة يختبر فيها الإنسان مزجًا غير اعتيادي بين الحواس؛ كأن يرى الألوان عند سماع الموسيقى، أو يشاهد ألوان مصاحبة للكلمات، أو الأرقام، أو الحروف. وعلى الرغم من غرابة هذه الظاهرة إلا أن كثيرين ممن وُصفوا بها أبدعوا في مجالات متعددة، من الفنون البصرية والموسيقى والأدب، وحتى في العلوم. هذه الخاصية ليست مكتسبة، بل فطرية وكأنها مساحة عميقة في الوجدان، تُعبر عن حساسية استثنائية للإدراك والتفكير.ويرى علماء الأعصاب أن تداخل الحواس ناتج عن نشاط زائد في ربط مناطق معينة من الدماغ، مما يؤدي إلى تشابك غير تقليدي بين الأفكار. هذه الخاصية تُنتج واقعًا حسيًا مركّبًا وغنيًا، يمنح من يمتلكها القدرة على إدراك الأشياء بشكل مختلف، وربما أكثر اتساعًا وعمقًا. وقد يكون هذا أحد أسرار عبقرية بعض الفنانين والمبدعين، ودافعًا ملهمًا من الذرائعية إلى أعمال فنية أو أدبية مبهرة.

أمثلة على أبرز المبدعين المعروفين بامتلاكهم لظاهرة تداخل الحواس:

كان فاسيلي كاندينسكي، الرسام الروسي، يرى الأصوات في هيئة ألوان. وكان فرانز ليست، الموسيقي الشهير، يطلب من عازفيه أن يعزفوا بنغمات «أزرق» أو «أرجواني». أما الكاتب فلاديمير نابوكوف، فكان يرى الكلمات والأرقام مصبوغة بألوان محددة. وذكرت المغنية بيلي ايليش في إحدى لقاءاتها عن رؤيتها لالوان مصاحبة لايام الأسبوع. الكاتبة فيليبا جاريت، كانت ترى  ألوان مصاحبة للحروف، وهو نوع من تداخل الحواس  يعرف بـ «Grapheme-color synesthesia»..وصرحت المغنية ليدي غاغا بأنها ترى ألوان مصاحبة للأغاني وكذلك المغنية بيونسيه نولز، بينما تحدثت المغنية  توري آموس عن رؤيتها  ألوان محددة عند عزفها للسلالم الموسيقية. أما المغني فاريل ويليامز، فصرّح في أكثر من مناسبة أنه يرى  ألوان مصاحبةللأغاني . وذكرت المخرجة ميرا ناير أن لديها تداخلًا بصريًا في الحواس يجعل  الذكريات تتمتع بروائح أو ألوان. أما الشاعر آرثر رامبو، فقد عبر عن  الحروف بألوان في أحد أشهر قصائده.

ورغم قلة التوثيق العلمي لظاهرة تداخل الحواس في العالم العربي، فإن بعض المبدعين العرب تحدثوا ضمنًا عن امتلاكهم لهذه الخاصية العصبية . مما لا شك فيه أن الكثير من هؤلاء المبدعين  يرون العالم برؤى حسية مركبة، وإن لم يُصرّحوا علنًا، نظراً لغياب المدارس العصبية السيكولوجية المكرسة لدراسة وتحليل العقل البشري في العالم العربي أو مغبة عدم تقبل حالتهم الإبداعية المستندة على هذه الظاهرة.

*هل تداخل الحواس هو الإبداع في صورته الخام؟

ربما تكون ظاهرة تداخل الحواس ليست فقط تجربة إدراكية فريدة، بل أيضًا مفتاحًا لإدراك جمالي خارق، يوسع أفق التعبير الحسي، ويعبر حدود الحواس التقليدية. فهل يمكن اعتبار هذه الظاهرة وجهًا من وجوه العبقرية الفطرية التي ميزت المبدعين على مر العصور؟ وهل نمتلك الجرأة الكافية لنقول: كم من العباقرة لم يتم التعرف إليهم فقط لأنهم لم يُفهموا أصلاً؟


مشاهدات 59
الكاتب علي العزي
أضيف 2025/05/14 - 4:20 PM
آخر تحديث 2025/05/20 - 2:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 371 الشهر 25186 الكلي 11019190
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/5/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير