الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ميزانٌ في الأخلاق ( المؤمن مرآة أخيه) 

بواسطة azzaman

ميزانٌ في الأخلاق ( المؤمن مرآة أخيه) 

محمـود محمـد عـبـد الكـريـم

جامعة الموصل- كلية التربية الأساسية

 

       في رحاب النصوص الصادقة، سواء كانت آيات القرآن الكريم أو أحاديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، نجد خطاباً شاملاً يستهدف العقول والقلوب على اختلاف مداركها وتطلعاتها. هذه النصوص ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي كنوز دفينة تحمل في طياتها عمقاً فكرياً وواقعاً معاشاً، تعالج قضايا متنوعة تمس جوهر العقيدة، ونظام المجتمع، وخبايا النفس البشرية، وسبل بناء الإنسان الفاضل ومن ثم المجتمع الصالح. تتجلى هذه المعالجات في أبعادها المتنوعة لتشكل لحناً فريداً يستقبله كل فرد وفقاً لفطرته وما استقر في وجدانه من تصورات ومبادئ. فالنفس الإنسانية بطبيعتها متقلبة، تعرف حالات الإقبال والصفاء كما تعرف لحظات النفور والضيق. وفي هذا التقلب، تصدر النفس إيقاعاً مشابهاً لتلك النغمات التي يعزفها الموسيقي على آلته، حيث يستلذ السامع أحياناً بالصخب والقوة، بينما يجد متعته في أحيان أخرى في الهدوء والرقة.

      يمكن تشبيه ذلك بصانع الطعام الذي يضيف إلى مأكولاته التوابل الحادة والملح ليضفي عليها نكهة مميزة ولذة محسوسة. ولكن، لو تناولنا الملح أو التوابل الحادة بمفردها، لما استسغناها ولما وجدنا فيها تلك النكهة الطيبة التي تظهر عند امتزاجها ببقية المكونات. هذا التشبيه البسيط يقودنا إلى إدراك إمكانية الاستعانة بأدوات ووسائل تساعدنا في التوجيه نحو ميزان دقيق نزن به ذواتنا ونقيس مدى تجذر القيم الأخلاقية في سلوكياتنا. ومن هذا المنطلق، يمكننا التأمل في دلالات الحديث النبوي الشريف: "المؤمن مرآة أخيه"، واستخلاص مجموعة من النقاط الهامة التي تساعدنا في فهم أعمق لهذا التشبيه البليغ وتطبيقه في حياتنا اليومية. نقتصر في هذه المقالة على اثنين منها ونكملها في تباعا في إصدارات أخرى إن شاء الله.

1.  نوع المرآة المقصودة في الحديث النبوي الشريف: مرآة مستوية للعدل والإنصاف.

     الشرح: في التحليل الأول عن طبيعة المرآة التي قصدها الحديث الشريف. هل هي المرآة المستوية التي تعكس الصورة كما هي دون تحريف، أم المرآة المحدبة التي تكبر الأشياء، أم المرآة المقعرة التي تصغرها؟ لا شك أن المقصود هنا هو المرآة المستوية. فالمرآة المستوية تتميز بقدرتها على عكس الصور بأمانة ودقة، دون إضافة أو نقصان، دون تجميل أو تشويه.

     التحليل المنطقي: إذا كان المؤمن مرآة لأخيه، فيجب أن يكون هذا الانعكاس صادقاً وعادلاً. فالمبالغة في إظهار الحسنات أو تضخيم السيئات، كما تفعل المرآة المحدبة أو المقعرة، يخل بميزان العدل والإنصاف المطلوب في العلاقة بين المؤمنين.

     التطبيق الأخلاقي: ينبغي للمؤمن أن يعكس صورة أخيه كما هي في الواقع، دون أن تدخُل مشاعره وأهواؤه في عملية التقييم. فلا يجوز أن نركز فقط على محاسن من نحب ونتجاهل عيوبهم، أو العكس، أن نسلط الضوء على سلبيات من نكره ونتغاضى عن إيجابياتهم. فالمطلوب هو أن نكون مرآة حقيقية تعكس الواقع بأمانة.

2.  زمن الرؤية: الحضور والمواجهة الصادقة.

     الشرح: تتناول النقطة الثانية مسألة زمن الرؤية في المرآة. هل نرى صورتنا قبل أن نقف أمام المرآة، أم بعد أن ننصرف عنها، أم فقط أثناء وقوفنا المباشر أمامها؟ من البديهي أن الرؤية الصحيحة والمباشرة تحدث فقط عندما نكون في حضرة المرآة.

     التحليل المنطقي: بالقياس على ذلك، إذا أردتُ أن أكونَ مرآةً حقيقيةً لأخي، وأن أطلب منه أن يكون كذلك بالنسبة لي، فيجب أن يتم هذا الانعكاس للصورة في حضوره ومواجهته المباشرة. فالتحدث عن عيوبه أو محاسنه في غيابه، قبل لقائه أو بعد فراقه، يفقد هذا التشبيه معناه وقيمته.

     التطبيق الأخلاقي: يقتضي هذا الأمر الصدق والمباشرة في التعامل الأخوي. فالنقد البناء والنصيحة الصادقة يجب أن تقدم في وجه الأخ، بأسلوب لائق ومحبب، وليس من وراء ظهره. فالغيبة والنميمة تقوض أواصر الأخوة وتنافي صفة المرآة الصادقة.

وسوف يتم تناول الموضوع والاستفادة منه اكثر في أعداد قادمة إن شاء الله.


مشاهدات 50
أضيف 2025/04/30 - 4:00 PM
آخر تحديث 2025/05/01 - 4:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 266 الشهر 266 الكلي 10994270
الوقت الآن
الخميس 2025/5/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير