معرض الطائي يختتم فعالياته في إيوان للفنون
تجارب تشكيلية تنبض بالسكينة والتأمل
بغداد - حمدي العطار
في أجواء يملؤها الحنين الفني والتقدير العميق لمسيرة حافلة بالعطاء، اختُتم مؤخرًا معرض التشكيلي سعد الطائي في قاعة إيوان للفنون التشكيلية، بعد أن قدّم من خلاله تجربة فنية استثنائية حملت معاني مختلفة للامل «تجاربٌ في فضاء الرسم ورحلةٌ في خِضَمّ الإبداع». جاء المعرض تتويجًا لمسيرة طويلة من العمل الصادق والبحث الفني الرصين الذي خطّه الطائي بريشته المتأملة وصمته المتفجر إبداعًا.
ضيفت قاعة «ايوان» للفنون المعرض للمدة من 4 إلى 24 نيسان و كان لنا معه حوارا فنيا وثقافيا تناول ( أسلوبه الفني - التقنيات و الادوات - الرسم الرقمي- الذاكرة والواقع - الجمهور .وخرجنا بهذا الحصيلة:
* التشكيلي العراقي «سعد الطائي» (مواليد 1935، الحلة) يُعتبر أحد أبرز رواد الحركة الفنية في العراق والعالم العربي، حيث جمع بين العمق الأكاديمي والإبداع التشكيلي المميز. تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1957، وحصل على جوائز دولية مثل جائزة «المنظر الإيطالي» (1955) ووسام الفارس من إيطاليا (2005). أسهم في تأسيس قسم اللغة الإيطالية بجامعة بغداد، وترأس أقسامًا فنية عديدة، وشارك في عشرات المعارض المحلية والدولية التي جسّدت الهوية العراقية بلمسة حداثية . أعماله تُركّز على الإنسان والطبيعة العراقية، مستلهمًا تفاصيل الأهوار والصحراء والعمارة الإسلامية، مع مزجٍ فريد بين الذاكرة التراثية والرموز المعاصرة .
رغم انتمائه المبكر لجماعة الانطباعيين في خمسينيات القرن الماضي، لم يلبث الطائي أن خطّ لنفسه طريقًا فنّيًا خاصًا، مجسّدًا أسلوبًا يزاوج بين التجريد المحض والتشخيص التعبيري المختزل. في لوحاته، كانت أطياف اللون الأزرق تتصدر المشهد، محاطة بتوليفات لونية تنضح هدوءًا وتوازنًا، دون ازدحام أو فوضى، وكأن الفنان كان يبحث عن مرآة لسكينته الداخلية، وشغفه بالطمأنينة والدعة.
تميّزت أعماله بعمق إنساني واجتماعي لافت، وكأنها صرخات مكتومة تعبّر عن آلام شعبه وكفاحه اليومي. كان الإنسان هو محور الاشتغال الفني لديه، مجرّدًا من الزخارف والرتوش، كأنّه أيقونة شاملة تتجاوز حدود العِرق والهوية والانتماء، في دعوة صامتة لاحترام الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة.
رسائل عميقة
لوحاته لم تكن صاخبة ولا تحريضية، لكنها حملت رسائل عميقة تستفز التأمل وتحفّز التفكير. هي أعمال تترك أثرًا إنسانيًا لا يُمحى، تُشبه شخصية الطائي ذاته: هادئة، متقدة، دافئة، ومعبرة دون صخب. في عالم تتقاذفه الاستقطابات، حافظ الطائي على استقلاله، مبتعدًا عن الانتماءات الحزبية والسياسية، مما كلّفه عزلة أحيانًا، لكنه ظلّ وفيًّا لقناعاته، نهرًا جاريًا بالعطاء، وأستاذًا رؤومًا يحمل روح الفنان الحقيقي والإنسان الصادق.
فنيًا، طوّر الطائي أسلوبًا حداثويًا خاصًا، مستلهمًا من الشعاعية والمستقبلية، ومكوّنًا توليفة جمالية متفردة لا تحاكي أحدًا، بل تنبع من تأمل عميق وبحث طويل وصدق داخلي نادر.
وفي الختام، يُعد معرض سعد الطائي محطة بارزة في مسيرة الفن التشكيلي العراقي، وشهادة على قدرة الفنان الحقيقي على تجاوز القوالب والصراعات، لصالح لغة بصرية تنطق بالحكمة والجمال والكرامة الإنسانية. أعماله ستظل نابضة بالحياة، شاهدة على روح لم تهادن يومًا، بل ظلّت وفية لذاتها، مؤمنةً برسالة الفن في زمن تتكاثر فيه الضوضاء وتقلّ فيه الأصوات الصادقة.