الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحب والحرية في شعر صالح جواد آل طعمة .


الحب والحرية في شعر صالح جواد آل طعمة .

عبدالهادي البابي

 

 

 

شاعرٌ تـفـّجر الشعـر في قـلبـه كما تفـجرت الصخرة بالماء ...فمد يديه إلى السماء ، ورنا ببصره إلى العلياء ، وأستسقى من الله ، وطلب منه العطاء فأعطاه ، و أشترط عليه الجهد ، فاجتهد ، فكان شعره ليس نظما كالناظمين ، بل سيل جارف من الألم والأمل ، ودفقات حنان قلب كبير مفعم بالحب والخيروالعطاء ..

قبل أكثر من 75 عاماً كتب الى إحدى الشاعرات - ويبدو أنها مطلعة على بعض أعماله - وقد نصحته أن يتأنى في طباعة مجموعاته الشعرية قائلاً :( إن هذه المجموعة هي باكورة أعمالنا ، وضمائرنا تعرف حق المعرفة أنها ثمرة بواكير أبينا أن نعرضها خوفاً من نقد أو رغبة في أن يقولوا  عن الباكورة المزعومة أنها طيبة أو أنها تنم عن نبوغ ..لاياآنسة : ماأحوجنا الى الصراحة ..والى إزالة هذه الأقنعة عن معايبنا ، لنعرف طريق الكمال) ..[ص35  الأعمال الشعرية الكاملة  صالح جواد آل طعمة  جمع وتقديم سلمان هادي آل طعمة ] ..

إنه الشاعر العراقي الدكتور صالح جواد آل طعمة.. الذي يُعد من الكتّاب الموسوعيين والأدباء البارزين والشعراء المهمين الذين ساهموا بشكل لافت في تطوير الحركة الثقافية والأدبية والفكرية في كربلاء والعراق في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، كما ويعتبر من الرواد الأوائل للشعر الحرفي العراق ، وقد أشتهر بالتأليف والبحث العلمي وله العديد من الأبحاث والمقالات المنشورة ...فهو وبشهادة الكثيرين من الأساتذة والأكاديميين يعد علماً من أعلام الثقافة العراقية ومن اللذين قدموا الخدمات الجليلة لها من خلال بحوثه  ودراساته وكتبه وندواته ومؤتمراته عبر سنوات طويلة ..

وللشاعر ثلاث مجموعات شعرية هى على التوالي : (ضلال الغيوم) طبع في بغداد سنة 1950 م و(الربيع المحتضر) طبع في بغداد سنة 1952م و(مختارات) وهي مجموعة من القصائد العائدة للشاعر صالح آل طعمة التي جمعها من بطون المجلات والمواقع والصحف القديمة وألحقها بالمجموعتين السابقتين ..

ولد الشاعر الدكتور صالح آل طعمة في مدينة كربلاء عام 1929 من أسرة علوية كريمة الأصل والنسب (السادة آل طعمة) وهي من العوائل العلوية التي تشرفت بسدانة العتبة الحسينية المقدسة على مدى قرون خلت..ومن هذه الأسرة العلمية برز العشرات من الشعراء والأدباء والباحثين والمثقفين عبر تاريخها الذي يتصل بتاريخ كربلاء وعراقتها وقداستها وأهميتها بين مدائن الأرض ، لإنها مثوى سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ومثوى أهل بيته وأصحابه الكرام الذين أستشهدوا معه في واقعة كربلاء عام 61 هـ. .

وقد حضيت تلك الأعمال الشعرية للدكتور صالح آل طعمة بإهتمام بالغ من الباحثين والدارسين والمتابعين والأدباء والنقاد فكتبوا عنها الدراسات القيمة والتحقيقات الموسعة والمقالات الكثيرة نظراً لاسلوبه الشعري الذي يتسم بالأصالة والجزالة وحسن التعبير وأنتقاء الألفاظ فكانت تلك القصائد تدخل في قلوب القراء والمستمعين من متذوقي الشعر ومحبي الأدب حتى حفزتهم لدراستها والكتابة عنها ..

ومن أوسع وأشمل تلك الكتب هو ماقام به الشاعر والمؤرخ الدكتور سلمان هادي آل طعمة من جهد كبير ومهمة شاقة حيث قام بجمع الأعمال الشعرية للشاعر صالح آل طعمة وأظهرها بكتاب جميل وراقٍ عنوانه : ( الأعمال الشعرية الكاملة ) التي تخص الشاعر الدكتور صالح جواد آل طعمة ...والكتاب صادر عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث التابع للعتبة الحسينية المقدسة لسنة 2022...

وعن قابليات الشاعر الدكتور صالح الذهنية والمعرفية يقول المؤرخ سلمان آل طعمة : [وكان في ذكائه ونشاطه وخفة روحه وقابلياته الفكرية مثار إعجاب الأساتذة والطلاب والأهل والأصدقاء والأقارب ]..

كما ذكره الأديب كامل رحيم الكيال في كتابه : (أدباء كربلاء المعاصرون) ص14 ..وجاء في ص15 : [وشاعرنا - صالح آل طعمة - من أصحاب المواهب التي أثمرت فأينعت ثمارها ، فقد برزت موهبته الشعرية متدفقة كالسيل في أواخر الأربعينيات ، وجائت قصائدة واضحة نقية منسجمة الألوان ، شفافة الظلال ، حيث عايش أحاسيسه الرهيفة الموجعة ، فنظمها بصدق وجدان ، وحرارة عاطفة ، ورؤى حلوة مغرية ] ..

وجاء في مقدمة المرحوم الدكتور صباح نوري مرزوك في دراسته عن الدكتور صالح آل طعمة والتي عنوانها : [ دارسة بيوغرافية بيلوغرافية ] ص21..يعد الدكتور الشاعر صالح آل طعمة واحداً من رواد الشعر الحر في العراق الى جانب بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي ونازك الملائكة ، ويشهد على ذلك ماقاله من شعر وما أكده مؤرخو الأدب العربي ..لذا أرى من واجبي أن أقدم تعريفاً (بيوغرافيا و ببلوغرافيا) عن الدكتور صالح لكي يصبح مقدراً  للباحثين والدارسين لحياته وشعره وآثاره وماكتُب عنه ]..

وكتب عنه الأديب الراحل المحامي حسين فهمي الخزرجي في كتابه : [صور ودراسات أدبية في شعراء وأدباء كربلاء] ...ص19 : يتسّم الدكتور صالح جواد آل طعمة بإخلاق عالية جداً وشمائل كريمة ، فهو لايرتاد المحال العامة إلاّ قليلاً ..وأنه يقضي معظم أوقات فراغه في مكتبة المعارف العامة ، وسلوته الوحيدة قلمه الذي أتخذه حبيباً يبثه آمال وآلام وأوجاع نفسه وإن كتبه لهي من أعز أصدقائه لديه] ..

وكتب الأديب الدكتور علي حسين يوسف في مقدمة أحد البحوث التي تتناول البناء الدرامي في شعر صالح آل طعمه قائلاً : [يعد ُ الشاعر صالح جواد آل طعمة ، من جيل الشعراء الرواد الذين نهضوا بالشعر الحر حتى أستوى على عوده.. ولهذا الدورالمهم الذي لعبه الشاعر ياتي هذا البحث ليسلط الأضواء على جانب من جوانب شعره وهو البناء الدرامي ]..

كما وهناك الكثير من الشهادات والمقالات والمتابعات الثقافية والأدبية التي تعّرف بالدكتور صالح آل طعمة وبآثاره المهمة التي تضعه من بين الشخصيات الأدبية الكبيرة في الأدب العربي المعاصر ..

محطات من روائع شعره :

في قصيدة (أكاليل) من مجموعته الأولى(ظلال الغيوم)  نراه يستمد الحرية من أضرحة الشهداء لتكون عنواناً لإنطلاق الحياة الجديدة  .. لان الشهداء هم الذي صنعوا لنا طريق الحرية ودفعوا أغلى ثمن من أجل أن تنعتق الاجيال من كل القيود والعبوديات :

من جراح الشهيد .. ينطلق الصوت

زئيراً ...........الى ضريح الخلود

ووفود الضريح....تصغي خشوعاً

لجلال النداء ..... صوت الشهيد

وفتاة العراق ..بين النضال الحر

لاحت بشرى ........بعهد سعيد ..

إيه قبر الشهيد .....ماانت الاّ

مطلع الفجر ..للشباب الجديد

وفي قصيدته (أغنية زنجية) من مجموعته الثانية (الربيع المحتضر)  والتي كتبت عنها الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان رسالة إعجاب الى الشاعرصالح آل طعمة  تقول فيها : (رأيتك من خلالها كالعهد بك شاعراً بكل مافي هذه الكلمة من شعر وشعور وهزتني بصورة خاصة قصيدتك (أغنية زنجية) ...والقصيدة هي  :

على الأفقِ طَالٌ مُتوقّعُ العبيد إلى النور، في الأفقِ الأجهمِ

وأغنيةٌ من وراءِ الظَّلامِ تُغنِّي...............تَقَدَّمْ ولا تُحجمِ

أمانيك كم داسَها السيد المُختارُ المُذِلُّ عتواً..... ولم تَأثَمِ

كم يُترعُ الكأسَ ممَّا سَفَحْتَ!    وما لك منه سوى العلقم

تَقَدَّمْ! لقد مَلَّنا الغُلُّ جيلَ من الخضوع،........ ألم تسْأَمِ؟

تَقَدَّم  فديتكَ ....... لا يَرْهَبنك بَطْشُ الطُّغاةِ وسَفْكُ الدَّمِ

نَهِلَ المجدُ غيرَ الدَّماءِ وطابتْ حياة .........بلا مَغْرَمِ؟

على الأفق طال انتظار العبيد... تقدمْ إلى ولا تُحْجِمِ!

سنُطلِقُ في أوْجُهِ الآثمين ..زئيرًا من المَعْقلِ المظلمِ

فَتندكُّ أسوارُه البالياتُ وتنهارُ .......من ثورةِ النُّومِ

سيكتسحُ العاصفُ المستثارُ مَغارسَ سيدك الأعظَم

فَنَبْعثُها أُغْنياتِ ابتهاج ....ونَلْقى السِّتار على المأْتمِ

فلا سيدٌ يَسْتَذلُّ قوا ويكَ....رْوِي خَمائلَه مِنْ دمي!

حرامٌ... كان يا عبدُ أن تغمرَ الأشقياءَ رُؤَى البَلْسَمِ؟

لتأسو جِراحَ الأرقاءِ مِنْ غُلِّهم كم طواهم بلا مَأثَمِ؟

وأغنيةٌ من وراء الظلامِ ....تحنُّ إلى النُّور أو لِلدَّمِ

يُردِّدها، لا يَزالُ العبيدُ زئيرًاً... من المَعْقِل المُظلمِ

وفي مجموعته (الربيع المحتضِر) نجد الشاعر صالح جواد الطعمة لديه ثقة تامة برسالته الشعرية فناً وموضوعاً، وقد تتجلى في مستوياته معالجته لموضوعات فكرية ووجدانية..كما نلمس فيها  طاقته الشعرية المتدفقة التي  تتناول موضوعات الحرية والكرامة البشرية ..

وفي الشعر الوطني ساهم مساهمة فعالة في حشد الحماس وشحذ الهمم ضد المستعمر الاجنبي ..فنراه هنا مخاطباً  الانكليز ومتوعداً أياهم  في قصيدة من مجموعته ظلال الغيوم  ص64..قائلا :

يابني جون لن يكون لكم ظل علينا ......ولالكم من عبيد

لاتطيلوا البقاء في الوطن الحر وعودوا الى وراء الحدود

قبل أن تطعموا المنية قسراً وتذوقوا منا أمضّ الصدود

ولئن خنتم الوعود مراراً ..وجربونا تروا نفي الوعود

...............

(الحب والأم) الثنائية المقيمة في شعر صالح آل طعمة :

يعتبر شعر صالح آل طعمة عن الحب والشوق  من أبرز الإبداعات التي عبّر من خلالها عن مواقفه المختلفة ..خاصّة المرأة (الأم) ووصفها والخوف عليها ، وهذا ما يشدّ الانتباه إليه ويحرّك سبل البحث عن المعاني المخبّأة تحت عنوان الحبّ..فيقول في قصيدة عنوانها : ( الحنان الملتهب ) وهي منشورة في مجلة الأديب وهو في جامعة هارفرد الولايات المتحدة عام 1954:

وتعود بي الذكرى الى مطلع شبابي .

حين كنت تذوين قلبك  رواءً لي

وكنت سدى أحاول إقناعك ..بأنك تسرفين

وإن الشمعة ستذوب وتنطفأ قريباً

ولكنك تمضين في طريق مطمئنة

وتعصرين خفاقك الحاني ..بشوق وجنون ..

وفي آخر القصيدة يقول بألم وحسرة :

وتمّرُ أيام أُخر ..وإذا بفتاكِ عبر البحار ..

يتطلع الى تحقيق أمل تحلمين به ..

 

وتترقبينه آمنة من بعيد ..

تقدمين نذورك  نشوى مطمئنة

ولكنك بعد يومين ..غربت عنه بعيداً

لمَ ياأم ...! غربت عن أملك الى الأبد ..؟

............

بقي التذكير أن الدكتور صالح آل طعمة قد تخرّج من دار المعلمين في بغداد عام 1952 ثمّ حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد في أميركا عام 1957، عمل مدرّساً في كليّة التربية في العراق ثمّ ملحقًا ثقافياً في السفارة العراقية في واشنطن حتى عام 1963، بعدها عيّن أستاذاً للغة العربية والأدب المقارن والدراسات الإفريقية في جامعة إنديانا في الولايات المتحدة ، ويعتبر من الأدباء الذين ساهموا في التعريف بالثقافة العربية ، وأشتهر بالتأليف والبحث العلمي ، له عدد كبير من المقالات والأبحاث المنشورة نذكر منها :

مشكلة الإزدواج اللغوي - بحث مقارن بين اللهجة العامية العراقية واللغة الفصحى (جامعة هارفارد 1969)..الأدب العربي الحديث مترجماً - (لندن: الساقي 2005)..الأدب العربي الحديث - بغداد - وزارة التربية 1959..مشكلات تدريس اللغة العربيّة في مرحلة الدراسة الثانويّة - بغداد - وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، 1972..معجم مصطلحات علم اللغة الحديث - محمد حسن باكلاّ وآخرون. بيروت: مكتبة لبنان، 1983..صلاح الدين في الشعر العربي الحديث..قضايا اللغة العربية المعاصرة - بيروت: دار الغاوون 2011.. كما وللدكتور صالح آل طعمة العشرات من البحوث والدراسات والمقالات الأخرى المنشورة في الصحف والمجلات العربية والعالمية .

لازال الشاعر الدكتور صالح جواد آل طعمة يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية...ورغم كبر سنه وتقدمه في العمر وقلة حركته  إلاّ أنه لازال يمارس نشاطه الثقافي والأدبي والفكري ويحضر المؤتمرات والجلسات الفكرية والعلمية في بلاد المهجر ..حيث أن أكثر تلك المراكز الأدبية لاتتواني في تقديم الدعوة للشاعر الدكتور صالح آل طعمة لحضورأمسياتها وندواتها الفكرية والثقافية حيث يعتبرون حضوره غنيمة كبيرة وفائدة عظيمة لما يمثله من كنز كبيرمن التجارب في جميع فنون العلم والمعرفة والأدب ..نسأل الله له الصحة والعافية والتوفيق والعمر المديد إن شاء الله تعالى  ..

 


مشاهدات 61
الكاتب عبدالهادي البابي
أضيف 2025/04/21 - 3:59 PM
آخر تحديث 2025/04/22 - 4:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 284 الشهر 22730 الكلي 10903377
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير