الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءةٌ نقديّةٌ في رواية مصرعُ الزّعيم للأديب  الدّكتور فوزي الطائي 


قراءةٌ نقديّةٌ في رواية مصرعُ الزّعيم  للأديب  الدّكتور فوزي الطائي 

أحلام الحسن 

 

 تدور أحداث رواية ( مصرعُ الزعيم ) حول ثلاث جبهاتٍ، الأولى مقاومة الإحتلال البريطاني من جهة، مساندة الشعب الفلسطيني في حربه ضد المحتل الإسرائيلي في الأربعينيات، والتخطيط للإطاحة بالحكم الملكي القابع على رقاب الشعب العراقي بإنشاء

حركة  الضباط الأحرار في المدة ما بين 1958 و1963 بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ، في محاولةٍ للإطاحة بالسلطة الملكية المستحوذة على زمام الحكم في العراق آنذاك ، وبالفعل نجحت الثورة وتمّ إعدام الملك فيصل الثاني وعدد من أفراد العائلة المالكة  ، هذا باختصارٍ شديدٍ الحدث الرئيس ، ثمّ تدور أحداث الرواية حول ما بعد انتصار الثورة وتحوّل المملكة العراقية إلى الجمهورية العراقية وما تبعتها من أحداثٍ قلبت موازين العراق رأسّا على عقبٍ في انقلابٍ مماثلٍ قام به حزب البعث بقيادة أحمد حسن البكر مع عبد السلام عارف القومي في التاسع من شباط عام 1963 تحت مسمى ثورة 14 عشر من رمضان  والتي على إثرها تم إعدام عبد الكريم قاسم وبعض من الضباط المخلصين له رسميًا بالرصاص ، إلّا أنّه سرعان ما دارت الدوائر على عبد السلام عارف وحزبه حيث لقي مصرعه هو وبعض معاونيه.

ولقد استخدم الكاتب أسلوب المنهج الواقعي للرواية  Realism of the novel ، حيث تمّ سرد أحداثها  بشفافيةٍ بارزةٍ، رغم تعدد اتجاهات أبطالها وتياراتهم التي حددت الخطوط العريضة في تيارٍ واحدٍ بنيويّ الظاهر معتم الباطن ، ولعلّ تقلب النوايا كان له دوره الأكبر وانعكاساته التي قلبت الموازين التاريخية لأحداث تلك المدة الحرجة جدًا ، حتى جزئيات خطة الإطاحة لم تسلم من التغيير وإعادة تشكيل الخطة لصالح عبد السلام عارف وتحقيق طموحاته السياسية والذاتية التي ظهرت فجأة ولم تكن في الحسبان لدى عبد الكريم قاسم وبعض ضباط الثورة الذين تغلب الطبقة الفقيرة على أكثر عناصرها ،والتي لم تبرز ملامحها وتفاصيلها الدقيقة إلا في الساعات الأخيرة، لتسجل حدثًا تاريخيًا معاصرًا من أخطر أحداث العراق الداخلية . 

تميزت الرواية بالواقعية البعيدة عن الخيال وبحالةٍ من الإسترجاع Flashbacks لأحداث الماضي، وهذا النوع الروائي يُعد هو الاصعب في أحداث سردياته إذْ أنّ الكاتب مقيد بالحدث الحقيقي لأبطال الرواية ، وبتفاصيلها الدقيقة وهذا هو نوعٌ من انواع تضييق الخناق على الكاتب وتقيده بأرض الواقع لا غير فلا مجال للخيال ولا مجال للإبداع الخيالي الشارد هنا وهناك ،فهو الواقع الفني الذي يبرهن فيه الكاتب على قدرته وإمكاناته الأدبية فيما يخص المذهب الواقعي للرواية، وكأنه قد إلتقط بمصورته الفكرية صورًا حقيقيةً ليعيد تشكيل وترتيب الأحداث بكل أمانةٍ ودقةٍ ،حيث أنه محاسبٌ على كلّ كلمةٍ وعلى كلّ حادثةٍ وكلّ شخصيةٍ تم ذكرها في الرواية، وعليه أن يرسم ويلون ويصور تلك الاشكال ضمن الإطار الواقعي لكلّ حدثٍ من الحوادث بمصداقيةٍ فنيةٍ تتجرد من الخيال المجازي Imagery ، وتتميز بالحيادية بعيدة عن المزاجية والتيارات الانتمائية، ورغم كل هذه القيود فقد استطاع الكاتب بقدرته الفائقة أن يتخطى عقباتها دون الوقوع في عثرةٍ من عثرات اللأواقعية، مع الإحتفاظ بكلّ مقومات الرواية الأدبية المثيرة جدًا، وبإسلوبٍ روائيٍ جذاب ومثيرٍ للغاية اينما دارت أحداث الرواية حيث يعدّ الإسلوب السردي المثير من أهم خصائص الرواية الناجحة، والتي تترك القارئ في حالةٍ انجذابيةٍ قويةٍ تجعله يعيش الخطوط والوقائع كأنه أحد أبطالها في حالةٍ من الميتافيزيقا Metaphysics فهو يفكك خيوط الرواية ويطاردها ويبحث في أدق تفاصيلها.

 هكذا تترك رواية مقتل الزعيم القارئ في واقع أحداث الرواية لا واقعه هو ، ومع انتهاء الرواية يحتاج لبضع دقائق كي يفيق ويدرك ما حوله بعدما تمكنت الرواية من السيطرة على أفكاره وجعلته بطلًا من أبطالها . 


مشاهدات 137
الكاتب أحلام الحسن 
أضيف 2025/03/26 - 3:10 PM
آخر تحديث 2025/03/30 - 10:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 348 الشهر 18667 الكلي 10579616
الوقت الآن
الأحد 2025/3/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير