الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الفنون الإنسانية بين التجلي الصوفي والروح العرفانية

بواسطة azzaman

الفنون الإنسانية بين التجلي الصوفي والروح العرفانية

نوري جاسم

في عوالم الفنون، حيث تتجلى الروح في أبهى صورها، تمتزج الألوان والألحان والكلمات لتشكّل مدارج النور نحو الحقيقة المطلقة، والفن ليس مجرد إبداع حسي، بل هو انعكاس للتجربة الروحية العميقة، ورحلة في أسرار الوجود حيث تتلاقى الأرض بالسماء، والمحدود باللامحدود. وفي التصوف والعرفان الكسنزاني، يحتل الفن مكانة سامية بوصفه تعبيرًا عن الجمال الإلهي وتجليًا للحق في قوالب محسوسة تلامس الأرواح والقلوب، وإن الفنون في جوهرها ليست إلا صورًا متجددة من تجليات الحقيقة الكونية، فالموسيقى الصوفية ليست مجرد أنغام، بل هي نداء الروح نحو معارج النور، ترقص بها القلوب في ساحة العشق الإلهي، وترتقي بها الأرواح نحو آفاق الصفاء، وإن الألحان التي تتردد في حلقات الذكر الجماعية في الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، والموالد النبوية الشريفة هي نغمات تتسرب من أعماق الوجدان لتوقظ الإنسان من غفلته وتدفعه نحو إدراك جمال المطلق، وأما الخط العربي فهو ترجمة مرئية لجلال الكلمات الإلهية، حيث تنحني الحروف بخشوع، وتتداخل بنسق إلهامي يروي قصة العشق بين الإنسان وخالق الوجود، وهو فن يتجاوز حدود الزخرفة ليكون تعبيرًا عن الانسجام الكوني، ولغة بصرية تفيض بأنوار المعاني، وفي الشعر نجد أجنحة الروح تحلّق بين المعاني، فتتساقط الألفاظ كندى الفجر على قلوب الظامئين للحقيقة، وهو صدى للنداء الأزلي الذي نادى به العارفون في رحلتهم نحو الله، حيث تتوهج الكلمات بنار الشوق، وترقص على إيقاع المحبة الصافية، وفكر التصوف والعرفان الكسنزاني يقرّ بأن الفنون ليست مجرد وسائل تعبير، بل هي طاقة نورانية تُهذب النفس وتوجهها نحو السمو الروحي، فهي ليست غاية للمتعة الحسية فقط، بل هي قوالب تحمل الأسرار لمن استطاع فك رموزها، وفي نظرة الكسنزانية للفن، نجد أن كل شكل فني يحمل رسالة تربوية وروحية، فالموسيقى والذكر تحيي القلوب، والشعر يُلهب العشق، والخط العربي يجسّد قدسية الكلمة، وحركات الذكر الصوفي تعبّر عن دوران الكون في مداره الأزلي، والرسم يكشف ألوان الحقيقة المتجلية في مرايا الأرواح، والفن الكسنزاني بين الحداثة والأصالة في زمن غلبت فيه المادة على الروح، وأصبحت الفنون مجرد أداة للترفيه، تأتي الرؤية الصوفية العرفانية الكسنزانية لتعيد التوازن، فتمد جسورًا بين القديم والجديد، بين الروح والعقل، بين الأصالة والحداثة، فالفن يجب أن يكون وسيلة تهذيب للنفس، وترجمة للبحث عن الحقيقة، وتجسيدًا للعشق الإلهي الذي يضيء دروب السالكين، والحداثة ليست قطيعة مع التراث، بل هي امتداد له، وإعادة صياغة للرسالة الروحية في قوالب معاصرة. فكما كان المتصوفة القدماء يستخدمون الشعر والموسيقى والرموز الفنية لإيصال معانيهم، فإن العصر الحديث يفتح آفاقًا جديدة للفن الصوفي عبر السينما، والوسائط الرقمية، والتكنولوجيا الحديثة، والفن رسالة الروح إلى العالم، حيث يصبح الفن صلاة صامتة، وترنيمة عشق، ورسالة سلام، وهو ليس ترفًا، بل ضرورة روحية تسدّ جوع القلوب الحائرة، وتجعل الإنسان أكثر قربًا من ذاته ومن خالقه، وإن الفنون الإنسانية عندما تُشرق بأنوار التصوف والعرفان الكسنزاني، تتحول إلى مرايا للحقيقة، تعكس أنوار الحب الإلهي، وترشد السائرين في دروب النور المحمدي، وهي ليست مجرد أدوات، بل أرواح متجلية في هيئة أصوات وألوان وكلمات، وكلها تصبّ في نهر واحد وهو نهر المحبة والانسجام الكوني الذي دعا إليه أهل التصوف والعرفان الكسنزاني في كل زمان ومكان، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  .


مشاهدات 400
أضيف 2025/03/22 - 12:15 AM
آخر تحديث 2025/03/23 - 11:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 367 الشهر 13261 الكلي 10574210
الوقت الآن
الأحد 2025/3/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير