كلمة في كتاب عبد الحسين شعبان : كيسنجر وبريجينسكي .. ترست الأدمغة والإستراتيجية الأمريكية
عصام نعمان
لا أبتغي في هذه العجالة تقديم الدكتور عبد الحسين شعبان الى الحضور ، فقد قدّم المؤلف نفسّه وفكره في كتابه المتعدد الأبعاد. وسنرى جميعاً الآن ما تركه جهدُه المستشرف من آثار وانطباعات وأفكار لدى محاوريّه وناقديَه الدكتور سعد محيو ، مؤسس ومدير منتدى التكامل الإقليمي ، والإعلامي الطليعي المحقق الدكتور وليد شرارة.
تدبير سياسات
ما لفتني في الكتاب إشتمال فصوله على مقاربات موثّقة لدور مستشاري الأمن القومي في تفكير وتدبير وسياسات رؤساء الولايات المتحدة ، لاسيما ما يتعلّق منها بقضايا العرب الكبرى ، وفي طليعتها قضية فلسطين . في هذا السياق ، يتيح لنا الكتاب أن نحيط ، ولو بإيجاز مكثّف ، بالمحاور الأساسية لهذه القضايا وغيرها في أداء كلٍّ من الرؤساء جون كنيدي ، ليندون جونسون ، ريتشارد نيكسون ، جيرالد فورد ، جيمي كارتر ، رونالد ريغان ، جورج بوش الأب ، بيل كلينتون ، جورج بوش الأبن، باراك اوباما ، جو بايدن ودونالد ترامب .
زبيغنيو بريجينسكي عمل مستشاراً للرئيس جونسون للشؤون الخارجية ، ثم أصبح لاحقاً مستشاراً للأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر . يماثل بريجينسكي نظيره كيسنجر في اعتقاده بأن الطبيعة الأساسية للسياسة هي الصراع والعنف النابعين من العدوانية المتأصلة في الإنسان ، وهو ما حاول تطبيقه في العلاقات الدولية من حيث إعتباره التنافس بين الأمم اساس النظام الدولي. في هذا السياق ، ابتدع نظرية “قوس الأزمات” ، مبتدئاً من “الحزام الأخضر” ومفاده قيام حركات وأنظمة إسلاموية مدعومة اميركياً في الشرق الأوسط بغية كبح جماح اليسار والقوى القومية العروبية. وقد دعا لتفكيك النظام الإقليمي العربي وطمس عروبته وإعادة تشكيله على اسس عرقية وطائفية ، وصاغ في هذا الإطار مبدأ كارتر الداعي الى “التدخل السريع والمباشر” لفرض الإستقرار المطلوب.
غير أن عبد الحسين شعبان يلفتنا الى أن بريجينسكي كان يعتقد ان إتخاذ موقف اكثر إعتدالاً في القضية الفلسطينية كفيل بتخفيف العداء الإسلامي لأميركا ، إذ “لا ينبغي إثارة كراهية العالم إزاء واشنطن” . كذلك كان لبريجينسكي وجهة نظر ثاقبة حين حذّر من مغامرة الرئيس جورج بوش الأبن في غزو العراق وإعتبرها كارثة جيوسياسية.
ويلفتنا عبد الحسين شعبان الى أن كيسنجر عندما يبحث ويفكر ، فإنه يجمع في شخصه رجل الدولة والباحث والمفكر الذي يعطي ما يكتبه او يقوله أهمية خاصة . لعل أهم ما يخصّنا كعرب في سيرته ومسيرته ما قام به وحققه من مخططات ونتائج وتداعيات في مصر ومنطقة الهلال الخصيب الكئيب. فقد كان له الدور المحوري الأول والأكثر تأثيراً في ما سمّاها “عملية السلام العربية-الاسرائيلية” التي بدأت برحلاته المكوكية و”ديبلوماسية الخطوة خطوة” التي تمكّن خلالها من إقناع الرئيس المصري انور السادات بأن 99% من اوراق الحلّ هي في يدّ الولايات المتحدة ما أسفر لاحقاً عن ابرام معاهدة صلح بين مصر و”اسرائيل” وبين الأردن و”اسرائيل” لكنه لم يحاول .
تقدير المصير
والأرجح انه لم يرد ولم يسعّ ، لحلحلة الصراع بشأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
كان لافتاً ان عبد الحسين شعبان كشف في كتابه ان قرار نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس كان اتخذه اولاً الرئيس بيل كلينتون وبعده الرئيسان جورج بوش الابن وباراك اوباما ، وان من نفذّه وأعترف فوق ذلك بضم القدس الشرقية الى “اسرائيل” هو الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى.
الحقيقة أنني لا اكتم إعجابي بالدكتور عبد الحسين شعبان ونتاجه في حقول عدّة لدرجة أنني اطلقت منذ ثلاث سنوات في إحدى الندوات الفكرية دعوةً الى ترشيحه لجائزة نوبل للأدب . إنتقدتُ نفسي لاحقاً لأن جائزة نوبل هي بأصلها وفصلها وغايتها تكريم لرموز ودعاة ثقافة الغرب. لذا أغتنم فرصة هذه الندوة الآن لأدعو الى تأسيس وإعلان جائزة العطاء الإنساني والحضاري في عالم العرب والإسلام . وسوف لن أتوانى اذا ما أسست هذه الجائزة واعلنت عن ترشيح عبد الحسين شعبان لنيلها تكريماً لعطائه الممّيز في شتى حقول الفكر والمعرفة وخصوصاً في البحوث الجيوسياسية والجيوإستراتيجية والمقاومة في سبيل الحرية والكرامة وحقوق الإنسان. نص المداخلة التي ألقاها الدكتور عصام النعمان في افتتاح الندوة التي ناقشت كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان الموسوم « كيسنجر وبريجينسكي - ترست الأدمغة والإستراتيجية الأميركية»، والتي تحدث فيها الدكتور سعد محيو والدكتور وليد شرارة ، وألقى المحامي الدكتور هاني سليمان كلمة باسم دار الندوة التي احتضنت الفعالية بحضور نخب فكرية وثقافية في بيروت مساء يوم 20 شباط (فبراير) 2025.
مفكّر لبناني ووزير سابق