الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشرق الأوسط وعواصف الجيوبوليتك

بواسطة azzaman

الشرق الأوسط وعواصف الجيوبوليتك

عبد الحسين شعبان

 

               يبدو أن نمطًا جديدًا من العلاقات الدولية واللغة الديبلوماسية بدأ يطغى على القواعد المعروفة والأعراف والتقاليد الدولية منذ تولّي الرئيس دونالد ترامب مقاليد البيت الأبيض.

               ولعلّ هذا التغيّر يحتاج إلى مراجعات استراتيجية وجيوسياسية على الصعيد العالمي وانعكاساتها على صعيد منطقة الشرق الأوسط، بما يستدعي مستلزمات جديدة للتكيّف مع المتغيّرات الحاصلة، لحفظ المصالح الوطنية العليا للدول والشعوب.

               ولأن الخيارات أصبحت محدودة، بل يمكن القول ضئيلة، خصوصًا بعد طائفة من المتغيّرات على صعيد المنطقة، فإن الفرص باتت ضيقة، لاسيّما بعد حرب الإبادة على غزّة، والتي استمرّت بأشكال جديدة حتى بعد الهدنة، حيث قامت بعمليات انتقام في الضفة الغربية، فضلًا عن العدوان المتواصل على لبنان وانهيار النظام السوري وهروب رئيسه بشار الأسد، وتراجع الدور الإيراني وضُعف الدور الروسي.

               كلّ ذلك كان مغريًا للولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها الأوروبيين لممارسة المزيد من الضغوط على دول وشعوب المنطقة، خصوصًا وأن المحور الممانع تفكّك عل نحو شديد، وانهارت بعض أركانه، واضطّر إلى تقديم تنازلات في ظلّ اختلال موازين القوى في المنطقة.

               ولعلّ المأزق لا يتعلّق بالمنطقة فحسب، بل أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي تعرّض إلى الإهانة أمام جمع من الصحافيين لم تألفها الديبلوماسية الكونية في القرن العشرين وربع القرن الماضي من القرن الحادي والعشرين.

                ويبدو أن الأمر أصبح عاديًا في ظلّ سياسة جديدة للولايات المتحدة، التي بدأها الرئيس ترامب بإعلان الرغبة في ضمّ كندا وإلحاق غرينلاند بالولايات المتحدة والهيمنة على قناة بناما، والتحلّل من اتفاقيات ومعاهدات والتزامات دولية، بل مطالبة الدول التي سبق أن قدّمت لها الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية أو عسكرية بتسديد ثمنها، ناهيك عن التهديد باتخاذ عقوبات وفرض رسوم جمركية حتى على حلفاء واشنطن الذين يستخف بهم الرئيس الأمريكي.

               ثمة تطوّر خطير حصل في المنطقة أيضًا وذلك بالتداخلات التركية في سوريا ونفوذها الذي تعزّز بعد الإطاحة بالنظام السابق، بعد أن كان الشريط الحدودي، السوري – التركي، يتمدّد باتجاه حلب والمناطق المجاورة، ناهيك عن إعلان تركي الحرب على الجماعات الكردية المسلحة "الإدارة الذاتية"، التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وبداية معارك بين قوات الجيش الوطني السوري والدولة السورية برئاسة أحمد الشرع وبين القوات الكردية المدعومة أمريكيًا.

               يدرك الإيرانيون، الذين تراجع نفوذهم، بأن سقف التفاوض مع الولايات المتحدة قد انخفض كثيرًا، حتى أن الوصول إلى صفقة تحمي ماء الوجه أصبحت صعبة المنال بعد أن كانت متاحة قبل عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023.

               وتتصرّف الإدارة الأمريكية الجديدة على نحو غير مألوف، وبالضدّ من اتفاقية فيينا بخصوص العلاقات الديبلوماسية لعام 1961، ناهيك عن الأعراف والتقاليد الديبلوماسية، التي استقر عليها تواتر الاستعمال والتكرار، بحيث أصبحت مقبولة ومعترف بها.

               التغييرات السريعة ستزيد من أوزان بعض القوى وستضعف من أوزان قوى أخرى، وقد تعزّز الموقف التركي بالتمدد إقليميًا، وإذا كانت سوريا فضاءً حيويًا لها، فإن وجود قواعدها في العراق واستمرار عملياتها العسكرية يجعلها قوة إقليمية كبرى في المنطقة، لاسيّما بعد إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، عن دعوته لإلقاء السلاح وحلّ الحزب في مبادرة غير مسبوقة ودون أي شروط مسبقة، بما فيها فتح حوار حول حقوق الشعب الكردي في تركيا وضمانات إزاء عدم ملاحقة المنتمين إليه بتهمة الإرهاب، وذلك أقل ما يمكن تحديده من مطالب عامة.

               إذا كانت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة تلجآن إلى الديبلوماسية المزدوجة، أي أن تل أبيب تتغوّل وتتعامل مع قواعد القانون الدولي باحتقار، وواشنطن تبرر وتدعم وتسوّغ، فإن دبلوماسية أخرى بدأت تظهر بحيوية، وأعني بها الديبلوماسية السعودية، وهي دبلوماسية ناعمة تحاول تجنّب الصدامات وتسعى للتقريب بين طهران وواشنطن، لأنها تخشى من رد فعل إسرائيل لارتكاب حماقة قصف المفاعلات النووية، بما سيلحق بالمنطقة من آثار خطيرة عسكرية واقتصادية وسياسية وتداعيات أخرى.

               لقد تركت المتغيرات الدولية تأثيرًا سلبيًا على علاقات واشنطن مع الاتحاد الأوروبي، ابتداءً من أوكرانيا ومرورًا بالنقد الشديد لمسار الاتحاد، فضلًا عن التقارب الروسي – الأمريكي، والأمر قد يأخذ بٌعدًا أكثر تطرفًا على الصعيد الأوروبي، لاسيّما بصعود الشعبوية اليمينية المتطرفة في العديد من دول أوروبا، الأمر الذي يٌنذر بتحولات جديدة وربما خطيرة، وتحمل مفاجئات غير محسوبة، قد تؤدي إلى إحداث اختلالات في نمط العلاقات الدولية، بازدراء قواعد القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، والإطار الناظم للعلاقات الدولية المعروفة، ناهيك عن انهيار القيم الأخلاقية التي كانت تنادي بها الدول الغربية، أو ما يسمى بالعالم الحر، في صراعها مع الكتلة الاشتراكية منذ الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم، بما فيها ما بعد انهيار الأخيرة في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، حيث أصبح قانون القوة هو السائد، وتعود إلى الواجهة مقولة الفيلسوف والسياسي الكبير مكيافيلي، والتي كان يردّدها كثيرًا الزعيم البريطاني تشرشل، "لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة"، وهذا ما قد يضع العالم في عاصفة أو عواصف جديدة لا حدود لها على الصُعد العسكرية والاقتصادية والسياسية.

              

                

              

 

 


مشاهدات 90
الكاتب عبد الحسين شعبان
أضيف 2025/03/08 - 4:23 PM
آخر تحديث 2025/03/09 - 5:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 398 الشهر 4633 الكلي 10465582
الوقت الآن
الأحد 2025/3/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير