الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحرب والسلام

بواسطة azzaman

الحرب والسلام

محمد زكي ابراهيم

 

لا يختلف اثنان على أن السلام هو القاعدة التي خُلق العالم عليها، وأن الحرب هي الاستثناء الذي أحدثه البشر، ولا جدال في أن السلام يعني المحبة، بينما الحرب تجسد الكراهية، فإذا ساد السلام في بقعة ما، نعمت بالأمن وازدهر فيها النظام، أما إذا أطل العنف، تفشت الفوضى وعَمَّ الخراب.

 لكن السلام الحقيقي أو الإيجابي لا يتحقق تلقائياً، بل لا بد من إقرار العدالة الاجتماعية حتى يصبح واقعاً ملموساً، فهو ثمرة عمل متواصل، وتنمية، وبناء، ولا يمكن تحقيقه بالأماني أو الدعوات أو النوايا الطيبة وحدها، بل بالنضال الدؤوب، وأحياناً كثيرة بالعنف.

 أما الحديث عن سلام يسبق الحرب، فهو لا يعدو أن يكون خيالاً جامحاً، فمنذ وجد الإنسان، كان الصراع على المصالح جزءاً من وجوده، وأي مصالح هذه التي يتنازع عليها البشر؟ قد تكون لقمة خبز صغيرة، أو كنوزاً من الذهب والفضة، أو النفط المتدفق بلا حساب.

يقول وليم ويلكوكس إن السبب الذي دفع قابيل إلى قتل أخيه هابيل كان النزاع على الممتلكات، بين رجل يفلح الأرض وآخر تلتهم مواشيه الزرع، أي أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن انتهاكها، فإذا تجاوز أحد الأطراف حدود الآخر واستباح ممتلكاته، كان البديل هو اندلاع القتال، أما ما قبل ذلك، فهو ما يُسمى بـ”السلام السلبي”، أي السلام الذي يسبق العاصفة.

إن الوضع الطبيعي الذي نراه اليوم ليس السلام، بل الحرب، فبين الدول المتجاورة أزمات تهدأ حيناً وتشتعل حيناً آخر، تبعاً لاتجاهات السياسة ونزعات رجال الدولة.

ولا شك أن الحرب التي تدفع الأذى، وتحقق العدالة، وتنصف المظلوم، هي الوضع الطبيعي للحياة، لأنها تصنع الطمأنينة والأمن، وتنقذ الأرواح والممتلكات، وفي هذه الحالة، يصبح السلام أمراً طارئاً ومؤقتاً ومحدوداً. بل إن البعض يرى أن السلام الحقيقي لا يوجد إلا في الحياة الأخرى، بين يدي الله وحده.

لقد دفع صراع المصالح غير القابل للانتهاء فريدريك إنجلز إلى القول بأن السلام لا يتحقق إلا بإزالة الملكية الخاصة وتبديد الفوارق الاجتماعية، بحيث لا يبقى للمرء ما يتنازع عليه مع غيره، لكنه لم يدرك أن هذا “التجريد” هو حرب من نوع آخر، وأن الاستعمار نفسه لم يفعل غير ذلك حينما اندفع نحو الشرق في القرون الماضية، متوهماً أن المشاعية قد تعمّ العالم دون مقاومة أو اعتراض.

 لم يدرك الماركسيون الأوائل أن هناك حروباً عادلة سيخوضها أتباعهم من أجل التحرير، أو من أجل تحقيق سلام حقيقي. ولم يستوعبوا أن النظريات شيء، والواقع شيء آخر. بل إن “حرب التحرير الشعبية” ستصبح الشعار الذي يرفعه هؤلاء في كل مكان بحثاً عن السلام المنشود.

 لا بد للأفراد والجماعات من خوض حرب ضروس لاستعادة حقوقهم المسلوبة وضمان سلام شامل، يستطيعون عبره تنمية مواردهم، والعيش برفاهية وأمن. فبغير الحرب، لا يمكن الظفر بأي قدر من السلام.


مشاهدات 84
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/03/01 - 4:27 AM
آخر تحديث 2025/03/04 - 11:22 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 522 الشهر 2652 الكلي 10463601
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير