لحظاتك تصنع تاريخك
انتصار الحسين
إن الإنسان بطبيعته يميل إلى الفرح والتعبير عن سعادته، خاصة عندما تكون هذه السعادة ثمرة جهد وصبر ومثابرة. ومع ذلك، فإن التعبير عن الفرح، مهما كان عفويًا، يحتاج إلى ضوابط وحدود، لأن كل ما نفعله في لحظات حياتنا يصبح جزءًا من تاريخنا الشخصي. ما نسجله اليوم بالكاميرات أو يظهر أمام أعين الناس قد يظل شاهدًا علينا لسنوات قادمة، وقد يكون سببًا في تشكيل انطباعات دائمة عنا، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
حتى وإن كنا من أكثر الناس التزامًا ورزانة، قد تغلبنا لحظة فرح عابرة فنخرج عن شعورنا دون قصد. قد تكون هذه اللحظة الأولى التي يظهر فيها جانب غير مألوف منا، لكنها للأسف قد تصبح اللحظة التي يحكم علينا بها المجتمع. فالمجتمع لا يرحم، والكاميرات لا تنسى، والتاريخ يحتفظ بكل شيء.
لذلك، أوجه نصيحتي لكل شاب وشابة، خاصة طلاب الجامعات الذين يُعتبرون عماد المجتمع وأمله في المستقبل. أنتم النخبة المثقفة التي يُعوَّل عليها في قيادة البلاد وإدارة شؤونها في مختلف المجالات. قد يكون من بينكم الطبيب الذي يعالج الأرواح، أو القاضي الذي يحكم بالعدل، أو المسؤول الذي يقود البلاد نحو الأفضل. ومن يدري؟ ربما تمثلون بلادكم يومًا ما في المحافل الدولية. لذا، عليكم أن تفكروا مليًا في كل خطوة تخطونها اليوم؛ لأنها سترافقكم غدًا.
تصوروا شعوركم بعد سنوات حين تُنشر مقاطع أو صور تُظهركم بمظهر لا يليق بمكانتكم العلمية أو الأخلاقية. كيف ستواجهون أنفسكم؟ كيف ستبررون ذلك أمام أسركم؟ بل كيف سيؤثر ذلك على مستقبلكم المهني والاجتماعي؟ لحظات عابرة قد تترك أثرًا دائمًا يصعب محوه.
ولا يقتصر الأمر على طلاب الجامعات فقط؛ بل يشمل أيضًا كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة تفتقر إلى المسؤولية. أولئك الذين يجعلون من أنفسهم مادة للسخرية من أجل الإعجابات والمتابعات عليهم أن يتساءلوا: كيف سيؤثر هذا على أبنائهم يومًا ما؟ كيف سيُنظر إلى عائلاتهم؟ إن ما تفعلونه اليوم قد يصبح وصمة عار في تاريخ أبنائكم مهما حاولوا جاهدين التخلص منها.
لذلك، على كل إنسان أن يدرك أن حاضره هو بذرة مستقبله. اختياراتك اليوم هي انعكاس لما ستكون عليه غدًا. اصنع لنفسك صورة مشرّفة لا تخجل منها أبدًا أمام نفسك أو أسرتك أو مجتمعك. لا تسمح للحظات عابرة أن تهدم جهد سنوات طويلة أو تشوه صورتك التي تعبت في بنائها.
تذكر دائمًا أن التاريخ لا ينسى، وأن بناء صورة مشرقة لنفسك هو أعظم إرث يمكنك تركه خلفك. كن فخورًا بكل لحظة تعيشها واجعلها تستحق أن تُروى بفخر واحترام.