الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين تصمت الإيديولوجيات.. هل نعيش عصر البراغماتية؟

بواسطة azzaman

حين تصمت الإيديولوجيات.. هل نعيش عصر البراغماتية؟

مصطفى عمار زهير الشهد

 

نحن و موقعنا لسؤالا يحير الكثير هل انتهى عالم الايدولوجيات التي تعرفنا عليها عبر القرنيين الماضيين . هل ولد العالم الفكري عالم فكري جديد , عالم تغير شكله و فحواه و مسيرة عمله و تبنياته  انه  عالمٍ يركض بلا توقف، مغمورٍ بضجيج الأخبار والتحوّلات الاقتصادية والسياسية، يظهر سؤالٌ يأبى الزوال: هل انتهى عصر الإيديولوجيات الكبرى؟ تلك الأفكار التي كانت يومًا ما مشاعل التغيير وعناوين الطموح الإنساني، يبدو أنها باتت أطلالًا باهتة وسط عالمٍ تحكمه البراغماتية، حيث لا مكان للمثاليات في مواجهة المصالح الفورية والتحديات الملحّة.

هل تخلى الانسان عن ايدولوجياته المتراكمة من القرون الماضية  و الحياتيه و المعاشيه العامه , هل تخلّى الإنسان عن الإيمان بالتصورات الكبرى؟ أم أن الإيديولوجيات لم تختفِ، بل تغيّرت، وبدّلت جلدها لتتماشى مع عالمٍ يعيش في سباق مع الزمن؟

افكار عابرة

الثقل الجديد من الاحلام و الطموحات :

اول ما يواجهنا الانقلاب في عالم الايدولوجيات .  فعندما نعيد النظر في القرن العشرين، نجد أن الأيديولوجيات الكبرى لم تكن مجرد أفكار عابرة، بل كانت محركاتٍ للتاريخ ذاته. فالشيوعية، التي بشّرت بعالمٍ خالٍ من الاستغلال الطبقي، استطاعت أن تلهم الملايين في آسيا، وأوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية. كانت الشيوعية بمثابة حلمٍ أخضر للطبقات المسحوقة، تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة المطلقة.

وفي الجانب الآخر، وقفت الرأسمالية الليبرالية كفكرة مناقضة، لا تقل طموحًا، تبني مشروعها على الفردانية والحريات الاقتصادية، وترى في السوق الحر طريقًا للرخاء. هذه الثنائية الحادة، بين الشيوعية والرأسمالية، شكّلت ملامح العالم في القرن الماضي، وكانت بمثابة البوصلة التي وجهت سياسات الدول وصراعاتها و أدت الى حروب بصورة مباشرة او بالوكالة. لكن، وبالرغم من هذه الطموحات العظيمة، جاءت النتائج أقل من التوقعات. فالأنظمة الشيوعية تحوّلت في كثير من الأحيان إلى أدوات قمع شمولية، بينما كشفت الرأسمالية عن وجهها القاسي، حيث أصبح التفاوت الطبقي هو السمة الأبرز.

عصر السقوط: من الأيديولوجيا إلى البراغماتية

مع سقوط جدار برلين في عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بسنوات قليلة، بدا وكأن الرأسمالية قد حسمت المعركة لصالحها. تنفّس الغرب الصعداء، وأعلن الكثير من  المفكرين أن البشرية وصلت إلى «نهاية التاريخ»، اي ان الديمقراطية الليبرالية أصبحت النظام الوحيد القادر على البقاء.ولكن ، سرعان ما كشف عن ضعفٍ داخلي. فالأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت بمثابة إنذارٍ مدوٍّ، أظهر أن النظام الرأسمالي ليس محصنًا من الانهيارات. بالتوازي، ظهرت قوى جديدة في المشهد، مثل الصين، التي قدّمت نموذجًا غير مألوف: اقتصاد سوق حر تحت سيطرة نظام سياسي مركزي، مما أربك التصنيفات التقليدية بين الشيوعية والرأسمالية.

في ظل هذه التحوّلات، برزت البراغماتية الجديدة كبديل جديد. لم تعد الدول تسعى لتحقيق رؤى أيديولوجية كبرى، بل أصبح همّها الأول هو إدارة الأزمات والبحث عن المكاسب الفورية. الصين نفسها، التي تحمل إرث الحزب الشيوعي، حاليا تتبع سياسات اقتصادية أقرب إلى الرأسمالية منها إلى أي نموذج ماركسي كلاسيكي. وفي الغرب، باتت الشعوب تنظر إلى السياسيين كمجرد مدراء أزمات، لا كقادة ملهمين يحملون رؤى جديدة للمستقبل.

 سؤالا يطرح نفسه هل  فقدت الأيديولوجيات بريقها؟

ربما يكمن السبب في إخفاقها في الوفاء بوعودها. الشيوعية، التي وعدت بالعدالة والمساواة، تحوّلت في أماكن كثيرة إلى أنظمة قمعية، بينما الرأسمالية، التي وعدت بالحرية والازدهار، أفرزت فجوات اقتصادية واجتماعية عميقة.إضافة إلى ذلك، فإن طبيعة العالم الحديث، الذي تحكمه العولمة والثورة التكنولوجية، جعلت الحلول الأحادية تبدو غير كافية. فالتحديات العالمية، مثل التغير المناخي، الهجرة الجماعية، والأوبئة، تتطلب تعاونًا دوليًا يتجاوز الحدود الإيديولوجية و بالتالي قد تكون ولادة فكر جديد.وفي الوقت ذاته، أصبحت الشعوب أكثر شكًا وحذرًا.

 فالتجارب التاريخية مع الأيديولوجيات الكبرى علّمت الناس أن الوعود المثالية غالبًا ما تُستغل كذريعة للسيطرة السياسية. من هنا، جاء الانسحاب الجماعي من الإيمان بالأفكار الكبرى، واستبدالها بمقاربات أكثر براغماتية و اقترابا من الواقعية.الهويات الوطنية بدلًا من الأيديولوجيات لكن، هل يعني ذلك أن الإنسان قد تخلّى تمامًا عن البحث عن معنى أكبر؟ ليس بالضرورة. ففي غياب الأيديولوجيات، ظهرت الهويات الثقافية والقومية و الوطنية كبديل. اليوم، باتت الشعوب تُعرّف نفسها من خلال ثقافتها وتاريخها أكثر مما تُعرّف نفسها من خلال انتماءاتها الأيديولوجية.

احزاب يمينية

 على سبيل المثال، أصبحت الأحزاب اليمينية القومية أكثر شعبية في أوروبا، حيث تدعو إلى الحفاظ على الهويات الوطنية في مواجهة العولمة. وفي العالم العربي، تعود النقاشات حول الهوية الوطنيه والقومية العربية لتتصدر المشهد، كردة فعل على إخفاق النماذج السياسية المستوردة .

مع ذلك، فإن التاريخ يُعلّمنا أن الأيديولوجيات لا تموت تمامًا اذ قد تتحول من صيغة الى اخرى. ففي لحظات الأزمات الكبرى، يبحث الإنسان عن رؤى جديدة لتفسير العالم وإعادة تشكيله.مثل الأزمات الاقتصادية، النزاعات الجيوسياسية، والكوارث البيئية، قد تُمهّد الطريق لظهور أيديولوجيات جديدة تلبي احتياجات عصرها.

وربما تكون هذه الأيديولوجيات القادمة أكثر مرونة، تجمع بين البراغماتية والمثاليات، وتُقدّم حلولًا عملية دون أن تتخلّى عن الايمان الأخلاقي.

و هذا ما اسعى لبلورته كنموذج قد يكون ايدولوجية المستقبل و في نهاية المطاف يبقى الإنسان كائنًا يبحث عن معنى، سواء كان ذلك في ، الثقافة و العمل ، أو الأيديولوجيا.

ربما لم تنتهِ الأيديولوجيات بقدر ما تحوّلت، وأفسحت المجال لأفكارٍ وهويات جديدة. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل البراغماتية الجديدة هي الحل النهائي؟ أم أن العالم، الذي يعيش اليوم على إيقاع الأزمات، سيشهد ولادة أيديولوجيات تعيد تشكيل تاريخنا من جديد؟


مشاهدات 123
الكاتب مصطفى عمار زهير الشهد
أضيف 2025/02/17 - 12:49 AM
آخر تحديث 2025/02/22 - 1:38 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 527 الشهر 12163 الكلي 10407534
الوقت الآن
السبت 2025/2/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير