قد يطول ليل الفاجعة
ثامر مراد
وطنٌ تشظّى في الدخان، ولم يَعُد إلا ظلاً باهتًا من مجدٍ كان يومًا يملأ الأفق إشراقًا. كان فجرًا يعانق السماء، لكنه تلاشى في غبار الحروب، فلم يبقَ منه سوى رماد الأحلام المتناثر فوق أرضٍ أرهقتها الجراح. في الأزقة الضيقة، سالت دموع الأرض كأنها تواسي أبناءها المكلومين. المآذن التي كانت ترفع نداء الحياة، تكسرت أصواتها تحت وطأة الدمار. النخل، شامخًا رغم كل شيء، يبكي صامتًا على الضفاف، بينما الريح تهمس بحزنٍ فوق رؤوس الشهداء، كأنها تروي قصة وطنٍ ضائع. في زوايا الخراب، صوت طفلٍ يخترق الصمت، يسأل ببراءةٍ موجعة: أي ذنبٍ ارتكبتُ حتى تسلبني الحرب طفولتي؟ أين المراجيح التي كنت أطير بها عاليًا دون خوف؟ أين ضحكاتي التي ابتلعها الدخان؟ وعلى رصيف المدينة، أمٌّ تائهة تبحث بين الحطام عن ابنها الذي خرج ولم يعد. كان نور عينيها، كان ضحكتها في المساءات الباردة. وحين وجدته، كان جسده مسجًى، ويداه ممدودتان كأنه ما زال يحاول احتضان الحياة. انحنت نحوه، احتضنته، لكن الحياة كانت قد غادرته منذ زمن. ورغم كل هذا الحزن، لا يزال هناك أمل. يا نخلة الأجداد، لا تنحني للرياح، فجذورك ممتدة في أعماق الأرض، لا تموت. قد يطول ليل الفاجعة، لكن لا بد أن يشرق صبح العزّ من جديد، لا بد أن يعود الوطن، مهما تكالب عليه الدخان.