تحت شرفتي شحاذٌ جميل

علي السوداني

لم يكن الشحاذ البليد موفقاً هذه المرة لحلب عواطف ودنانير السامعين والناظرين الذين فضلوا التثاؤب وعدم الإكتراث وتسبيل الجفون . كان صوته عالياً وملوناً ومعزوفاً على سلالم كثيرة مثل مضخمات صوت مزروعة على سطح مسجد .

أخطاء قاتلة وقع بجبها هذا المسكين الرائع ، منها لباسه بين غطاء رأس ملفوف بعناية وحذاء جلدي لمّاع وجاكيت مطول يشبه معطف السيد غوغول ، وما بقي من منظر السروال كان يشير إلى طية دائرية مكفوفة بضغطة مكوى حديث .. ربما أراد من كل ذلك أن يوشوش بآذان وعيون الناس بأنه من صنف عزيز قوم أذلته الأيام السود وطيحت حظه وأخرجته من المولد بلا رائحة حمص وزيت وزفر .

بدا لي وهو يسير بطيئاً على عرج مبين وعطب منفلت برجله اليمين ، لكنه عندما غاص ووصل خاصرة الزقاق ، نسي دوره وقطع الشارع مستقيماً سليماً ميمماً حلمه صوب حاوية الزبل وقبل أن يصلها بتمثيلية سعال مبحوح ، نطت بوجهه الصافي قطة شرسة ففز وعاد إلى الخلف مستعيناً بتعويذة مشهورة قرأها مبتورة ومبعثرة فتاه المعنى وعاد إليه العرج المنسي .

نداؤه الوحيد كان ثابتاً ومحفوظاً كأنه نشيد مستل من صباح مدرسة إبتدائية قديمة .

كان عياطه المكرور يتحدث عن بنياته الصغيرات الجائعات وزوجته العليلة ، وهو يبتغي بعض طعام وخضار وربما بقيا لحم من مائدة رحيمة .

الآن بمقدوري مشاهدة طفل بيده كيس نايلون أسود لم تتبين بضاعته ، وقام بتسليمه إلى المتسول المتوسل ونال معه وأهله طبقة دسمة من دعاء مخنوق بعبرات ومناحات .

تحت شرفتي الواطئة زرع المسكين عجيزته ودس يده ببطن الكيس وأخرج منه أمنيات عشوائية مثل برتقالة وحبة طماطة وخيار وفحل بصل ورغيف خبز وبدأ القرط والتمطيق مع النظر المتقطع لفحوى الكيس العزيز كي يطمئن على عشاء العائلة .

لقد أكل قلبي هذا الكائن المسائي البارد فهبطت إليه على شوق وعجل ، بيميني صرة ملابس عتيقة فائضة وبشمالي دينار ، وبعد السلام والتسليم طلب مني لفافة تبغ وماء .

صار صوته واهناً ناحباً هذه المرة ، فقلت له إنتظرني قليلاً يا صاحبي حتى أعود إليك بليرة ثانية وقدح شاي ونصيحة رائعة بأن لا تنسى حركة العرج كي لا تثلم من هيبة المهنة .