على أوتار خفية يرقص الكون
شيخ عماد الدين
بينما أحدّق في السماء الليلية الشاسعة، يهمس في عقلي غالبًا تساؤلٌ يتحدى جوهر الكيفية التي ندرك بها الكون. ننظر إلى الأعلى لنرى النجوم ترسم أقواسها البطيئة، والكواكب تجوب السماوات، والمجرات تنجرف عبر الامتدادات اللامتناهية. ولكن، ماذا لو لم تكن هذه الحركة حقيقية؟ ماذا لو كانت الأجرام السماوية ثابتة لا تتحرك، تطفو في فضاءٍ لا نهائي على أوتارٍ غير مرئية تشبه الأمواج؟ أوتارٌ تتماوج وتتحرك، فتخلق لنا الوهم العظيم بالحركة التي نعتقد أنها حقيقية.بالنسبة لي، هذا المنظور يشبه كشف الغطاء عن حجاب كوني. تخيل بحيرة هادئة تطفو على سطحها أوراق الشجر بهدوء. عندما تهب الرياح وتحرك المياه، تبدو الأمواج وكأنها تتحرك والأوراق تسافر معها، بينما في الحقيقة تبقى الأوراق ثابتة، متصلة بموجاتٍ تحتها. هل يمكن أن يعمل الكون وفق مبدأ مشابه؟ هل يمكن أن تكون الأجرام السماوية مرتبطة بإطارٍ غير مرئي، مستندة إلى أوتارٍ من جوهرٍ خفي، بينما يتحرك الفضاء نفسه ويرقص حولها؟العلم الحديث يلمّح إلى مثل هذه الإمكانيات. تموجات الموجات الجاذبية، وألغاز المادة والطاقة المظلمتين، والخيوط الغامضة لنظرية الأوتار، كلها تشير إلى أن الكون أكثر تعقيدًا مما يمكن لحواسنا أن تدرك. ماذا لو كانت هذه القوى لا تشكل الكون فقط، بل تخلق مسرحًا تكون فيه الحركة وهمًا، والسكون هو الحقيقة المطلقة؟في هذه الرؤية، يصبح الكون وحدة متناغمة—سكونًا يبدو حيًا بسبب الأمواج التي تحته. إنه ليس فوضى، بل سيمفونية دقيقة حيث تلعب كل نغمة، وكل تموج، وكل تغير، دورها الخاص. وها نحن نقف، مجرد مراقبين، مأخوذين بروعة حركة قد لا نفهمها أبدًا بشكل كامل.ربما ليست النجوم هي التي تتحرك، بل إدراكاتنا هي التي تخلق رحلتها. وربما، من خلال تقبّل هذه الفكرة، يمكننا أن نلمح السكون العميق الذي يحمل الكون بأسره، سكونٌ هو في ذاته حيٌّ بطريقةٍ أبدية.
باحث في قسم اللغة العربية