الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأمن‭ .. ‬أيام‭ ‬زمان

بواسطة azzaman

الأمن‭ .. ‬أيام‭ ‬زمان

محمد زكي ابراهيم

 

‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬البدهيات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تميز‭ ‬المشهد‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وتحظى‭ ‬برواج‭ ‬كبير‭ ‬لدى‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬فكرة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬غريباً‭ ‬أو‭ ‬مفتعلاً،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة،‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬خرق‭ ‬أمني‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬ما،‭ ‬يهدد‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬واي‭ ‬عدوان‭ ‬خارجي‭ ‬على‭ ‬بلد،‭ ‬ينذر‭ ‬بامتداده‭ ‬إلى‭ ‬سواه،‭ ‬فالحروب‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬مثلاً‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬جبهات‭ ‬عديدة‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أصدقاء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬مثلما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أعداء،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬العرب‭ ‬بطريقة‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء،‭ ‬فلا‭ ‬استفزاز‭ ‬لصديق،‭ ‬ولا‭ ‬مهادنة‭ ‬مع‭ ‬عدو،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬غير‭ ‬أحدهم‭ ‬رأيه،‭ ‬لقي‭ ‬ما‭ ‬يناسبه‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭.‬

‭ ‬وأذكر‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬ألمانيا‭ (‬الغربية‭) ‬أمدت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بدبابات‭ ‬وزوارق‭ ‬حربية‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬بشكل‭ ‬سري،‭ ‬فلما‭ ‬تسربت‭ ‬أنباء‭ ‬الصفقة‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬حدثت‭ ‬ضجة‭ ‬إعلامية‭ ‬كبيرة،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬العلاقات‭ ‬معها،‭ ‬لكن‭ ‬ألمانيا‭ ‬لم‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬موقفها،‭ ‬وكان‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬العرب‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بغريمتها‭ ‬ألمانيا‭ (‬الشرقية‭) ‬،‭ ‬فاستشاط‭ ‬الألمان‭ ‬الغربيون‭ ‬غضباً‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬العلاقات‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬طويل،‭ ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬للقول‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬كانت‭ ‬تنتمي‭ ‬للمعسكر‭ (‬التقدمي‭) ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬شعار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬والسودان‭ ‬ومصر‭ ‬واليمن‭ ‬الجنوبية،‭ ‬أما‭ ‬الدول‭ ‬المحافظة‭ ‬فلم‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة،‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ (‬شيوعية‭) ‬كافرة‭!.‬

ما‭ ‬هو‭ ‬جدير‭ ‬بالانتباه‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬كانت‭ ‬تمارس‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬لأنها‭ ‬تدرك‭ ‬أنها‭ ‬مهددة‭ ‬دائماً،‭ ‬وأن‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬قوة،‭ ‬وكانت‭ ‬تردع‭ ‬بذلك‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬هيمنت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وتدفع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬الأذى‭ ‬والعدوان،‭ ‬وهو‭ ‬ذاته‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬حتى‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتخوف‭ ‬من‭ ‬الانضمام‭ ‬لهذا‭ (‬المعسكر‭) ‬كانت‭ ‬تشعر‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسها‭ ‬بالإهانة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تكتفي‭ ‬بالتنديد‭ ‬واللوم‭ ‬والعتاب‭!.‬

‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬نسي‭ ‬الناس‭ ‬فكرة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تصالحت‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬مع‭ ‬العدو،‭ ‬ومالت‭ ‬إلى‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم‭ ‬والحديث،‭ ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬مشروطة‭ ‬بسلوك‭ ‬ثوري‭ ‬يؤمن‭ ‬بالتحرر‭ ‬والوحدة،‭ ‬ولا‭ ‬يتساهل‭ ‬مع‭ ‬منطق‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية،‭ ‬وقد‭ ‬تبدد‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬نتيجة‭ ‬متغيرات‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬أصابت‭ ‬العرب‭ ‬والعالم،‭ ‬مثل‭ ‬الحروب‭ ‬العراقية‭ ‬العبثية،‭ ‬وتفكك‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي،‭ ‬واتفاقات‭ ‬أوسلو،‭ ‬وسوى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأمور‭. ‬وليس‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يكترث‭ ‬اليوم‭ ‬لأمن‭ ‬بلاد‭ ‬أخرى،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬عربية،‭ ‬ولا‭ ‬يهمه‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬تقاوم‭ ‬العدو‭ ‬أو‭ ‬تتصالح‭ ‬معه‭. ‬فالمسألة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬إلا‭ ‬أصحابها‭.‬

‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬التضامن‭ ‬والتآزر‭ ‬ووحدة‭ ‬الساحات‭ ‬أموراً‭ ‬حيوية،‭ ‬مازال‭ ‬موجوداً،‭ ‬وهو‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة،‭ ‬ووعي‭ ‬عميق،‭ ‬ويدرك‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬الخارجي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬إعادة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بأسلوب‭ ‬جديد،‭ ‬وطريقة‭ ‬عصرية‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬انقسم‭ ‬العرب‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬محاور،‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬رؤيته‭ ‬الخاصة‭ ‬للأمن‭ ‬القومي،‭ ‬ومازالت‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الأول‭ ‬قائمة‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬فهناك‭ ‬مقاومون‭ ‬يتوسلون‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬والأساليب‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬السلاح‭ ‬لردعه،‭ ‬وهناك‭ ‬مطبعون‭ ‬وأصدقاء‭ ‬له،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالموضوع‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭!.‬

‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬مفاهيم‭ ‬تتعلق‭ ‬بالمصير‭ ‬والمستقبل‭ ‬والطموح‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة،‭ ‬فينقسم‭ ‬الناس‭ ‬بشأنها‭ ‬إلى‭ ‬مؤيد‭ ‬ومعارض‭ ‬ومحايد؟‭ ‬وهل‭ ‬يفرط‭ ‬المجتمع‭ ‬بأهم‭ ‬عوامل‭ ‬وجوده‭ ‬وهو‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو؟‭ ‬مهما‭ ‬يكن‭ ‬الجواب‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬بالفعل،‭ ‬ولات‭ ‬حين‭ ‬مناص‭!.‬


مشاهدات 135
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/01/24 - 11:34 PM
آخر تحديث 2025/01/27 - 7:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 351 الشهر 13021 الكلي 10292986
الوقت الآن
الإثنين 2025/1/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير