قنبلة أينشتاين جرس المسؤولية الأخلاقية
نبراس المعموري
قدر لي أن اشاهد فيلم وثائقي يتحدث عن سيرة العالم ألبرت أينشتاين، الذي يعد أحد أعظم العقول العلمية في التاريخ البشري.
لم يكن الوقت الذي استغرقته في مشاهدة الفيلم الذي تجاوز الساعة ونصف مجرد مساحة زمنية لمشاهد متفرقة، وأحداث تاريخية متعاقبة بين مرحلتين مهمتين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وما شابهما من تداخلات سياسية وعسكرية وإنسانية، بل كان فرصة للتأمل والبحث في شخصية ظلت أرشيف مختلف لتاريخ العباقرة في مجال الإنجازات العلمية والفكرية، بالرغم أن أينشتاين في طفولته تأخر في الكلام وواجه صعوبات في المدرسة، حيث عدّه البعض غير مؤهل أكاديمياً. ومع ذلك، تحدى هذه النظرة وأصبح أحد أعظم العلماء .
شخصية أينشتاين
ما شاهدته عبر الفيلم وما قرأته سابقا ولاحقاً عن سيرة أينشتاين؛ يؤكد أن تفوقه العلمي ناتج عن تمتعه بفضول شديد، حيث كان يسأل أسئلة تتجاوز نطاق المنطق المعتاد. ولديه خيال خصب لأنه كان يعتمد بشكل كبير على تخيله لسيناريوهات علمية. إضافة إلى تمرده على ما هو سائد فلم يتبع النظم التقليدية.
نجاحات كبيرة
عندما قدم نظريته النسبية الخاصة عام 1905، متحدياً مفاهيم نيوتن التي ظلت سائدة لقرون. ورغم النجاحات الكبيرة التي حققها في علوم الفيزياء و التكنولوجيا، والأقمار الصناعية، والاتصالات، والطاقة النووية. ألا أنه عُرف بتواضعه واعترافه بأخطائه وهذا يظهر ثقته بنفسه بطريقة متزنة. ولعل في ذلك عبرة لمن اعتقدوا أنهم أفضل من غيرهم بسبب إنجاز معين، فإنه قد ينسى أن ما تحقق يحمل في طياته إسهامات خفية من أشخاص أو ظروف أو حتى فرص.
أينشتاين و القنبلة الذرية
دور أينشتاين في صنع القنبلة الذرية تجلى في توقيعه على رسالة تاريخية وُجهت إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت. بسبب قلقه من احتمال أن تطور ألمانيا النازية قنبلة ذرية.
حيث حذرت الرسالة من أن البحوث الجارية على الانشطار النووي يمكن أن تؤدي إلى تطوير سلاح فتاك، ودعت الولايات المتحدة إلى الإسراع في البحث النووي لمواجهة التهديد المحتمل. كانت هذه الرسالة واحدة من العوامل التي أدت إلى إطلاق مشروع مانهاتن، البرنامج الأمريكي لتطوير القنبلة الذرية. خاصة أن معادلة أينشتاين الشهيرة، التي تربط الطاقة بالكتلة، وفرت الأساس النظري لفهم إمكانية تحرير طاقة هائلة من المادة.
وبالرغم أن أينشتاين لم يعمل على تطبيق هذه الفكرة عمليًا، إلا أن معادلته كانت نقطة البداية لفهم الإمكانات الكامنة في التفاعلات النووية. و كانت سببا في ان يتم إلقاء القنبلتان الذريتان على هيروشيما وناجازاكي عام 1945، لتقتل ما يصل إلى 140,000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناجازاكي و توفي عدد كبير بسبب الأمراض السرطانية فيما بعد نتيجة التعرُّض للإشعاعات المنبثقة من القنابل.
ما ترتب على رسالة أينشتاين جعلته يصرح لاحقًا: “لو كنت أعرف أن الألمان لن ينجحوا في تطوير القنبلة الذرية، لما كنت وقعت تلك الرسالة.
وهذا أدى إلى أن يكون أينشتاين من أبرز المدافعين عن نزع السلاح النووي. وشارك في حملات للحد من التسلح وحذّر من المخاطر الكارثية لاستخدام الأسلحة النووية. و استخدم مكانته للدعوة إلى السلام ورفض العنف… وفي ذلك أشارة إلى أهمية أن يتحمل العلماء مسؤولياتهم الأخلاقية تجاه تطبيقات اكتشافاتهم العلمية !
عقود طويلة
دماغ أينشتاين والعبر والدروس…
بعد وفاة ألبرت أينشتاين عام 1955 وأثناء تشريح جثته، قام عالم الأمراض، توماس هارفي، بإزالة دماغه والاحتفاظ به بهدف التوصل إلى سرّ هذه العبقرية الكامنة، و ظل يخضع للتشريح والدراسة لعقود طويلة وإلى اليوم، وقد قال العلماء أخيراً إنه قد آن الأوان لأخذ بعض الراحة قبل مواصلة العمل من جديد !
قصة أينشتاين فيها عبر ودروس مهمة فالإبداع يولد من التفكير المختلف والفضول أساس المعرفة، و الإصرار على تحقيق النجاح بالرغْم من التحديات، والتواضع مع الإنجاز، وأهمية جعل الإنسانية بجانب العلم، إضافة إلى أن النجاح لا يعتمد على الذكاء وحده بل بالتفكير المستمر، والعمل الجاد، والشغف.