في صناعة السلام
باسكال وردا
السلام هنا لا يعني فقط غياب الحرب ووقف العنف، بل السلام يعني وصول وصيرورة الانسان في طريق النور الى الفهم وإدراك معنى مصطلح السلام الحقيقي بالعيش فيه، وهو بذلك أكثر من مجرد مصطلح. السلام أشبه بأشعة الشمس، لا يمكن تجزئته أو احتوائه. فيصبح كمصدر او البيئة الذي يسمح للإنسان بالرؤية الواضحة والحكم السليم والتفاعل نسبة الى ذلك النور الداعم للوعي التام بمصير الانسان. ويمكننا القول أيضاً ان السلام هو حق من حقوق الإنسان الاساسية، ومن خلاله كحق، ُيفسح المجال لدعم تحقيق جهود التطور وتصحيح المسارات الخاصة بالأطر القانونية بهدف تحقيق العدل والمساواة بعيداً عن ضغوط يمكن ان تمارس من قبل أشخاص او جهات متنفذة في المجتمعات وخاصةً خلال فترات النزاعات. هكذا، في الظروف المتمتعة بالسلم، يمكن صيانة الكرامة وحماية الحقوق الانسانية وتطويرها والتفاعل مع الطبيعة كما مع التطور العلمي والتكنولوجي.
ايضاً يمكن خلال السلم، احترام ثوابت الكون كما هي، مع الاحتفاظ بحق لا بل بواجب تطوير المتغيرات الخاصة به، بهدف تحسين مستوى الحياة وليس للحكم عليها بالتشويه وبالإعدام. على الانسان وخاصة من هو في موقع المسؤولية العامة، أن يسخر كل ما يتاح له من الإمكانيات في خدمة تجنب المس بسلامة الحياة. بل ان يعزز راحة البال براحة الضمير الذي فيه للسلام بعد داخلي يضئ الوجدان وقلب الانسان قبل ان يكون مجرد مظهر من مظاهر السلوك البشري او حالة معينة من هدوء.
عنف وجرائم
بهذا المعنى تحقيق السلام يعني تحقيق التوازن والمصالحة بين ذات الانسان وما هو أعمق في الانسان، وكل ما هو متاح لأجل ديمومة حياته، فعالاً محترماً لما موجود بروح المسؤولية. وهذا الامر بالذات، أي احترام الصالح العام، يوصل الى الرفاهية الاقتصادية والحرية الأساسية جاعلاً من الانسان قادراً ان يصبح أداة صنع السلام بالحوار والتفاهم ونبذ العنف وجرائم الحروب. السلام يصنع في الفكر والوجدان اولاً، وهو مطلب قلب وإرادة كل من يتوق الى حياة كريمة وأفضل، للمحافظة على سمو قيمة الانسان بدلاً من الانتقاص من كرامته بإطلاق احكام معينة ضده أو تبديله مقابل أي نوع من الماديات. علينا أن لا نخاف من جميع وسائل تحقيق ضرورة السلام، ومنها وسائل الحوار. لأن بهذا العمل يتم إزالة الاعتداء والطمع وإزالة النزاع ويعتدل الفكر عن التطرف العنيف.
فبالنتيجة، تولد قناعة بالتبادل الايجابي لقبول الآخر كما هو. يمكن للإنسان ان يقود عمليات صنع السلام ، ليفتح أفق التعاون والتبادل على جميع المستويات الشخصية والجماعية والوطنية ثم الدولية. وبهذا يكون القضاء على الأطماع والعدوان والاحقاد والنيات السلبية. فيتم فرض السلام بين الجميع بتعميم مبادئه والتدرب على وسائل صناعته بتحقيق العدالة والتوازن في المواقف، بعيداً عن تشويه المعنى الحقيقي للسلام، وبعيداً عن ترغيب البسطاء بالنزاعات بتلقينهم ما لا يمت بصلة الا للأهداف السياسية في مصلحة مجموعات عنيفة لا تؤمن بأهمية كرامة الإنسان وحقه في الحياة. فلا يوجد فرد لا يريد او لا يرغب العيش بسلام. لأن السلام هو حلم كل انسان صاحب الضمير الحي على وجه الأرض. وعملياً من وسائل دعم السلام في الحياة اليومية هو القدرة على جعل الحياة الكريمة للإنسان متاحة من خلال توفير الخدمات كالكهرباء والماء الصالح للشرب وجميع البنى التحتية كإعادة بناء الطرق وحفظ المياه الامطار المجانية التي تهدر بلا اي مبادرة التعود على خزنها من جانب وتجنب فيضانها في المنازل لانعدام نظام المجاري التي تصرف مياه الأمطار إلى خزانات تحتية.
ويتواصل مسؤولو البلديات والمياه والمجاري في عدم السماع لأي شكاوى بشكل غير ابالي وعدم الوقوف لدى نقص المياه بحكم التغييرات المناخية التي بدأت تمثل من أكبر جرائم القتل الجماعي التي تتعرض لها حياة الانسان، في حين ان الماء هو من المتطلبات الاجبارية للحياة وهو من الحقوق الأكثر أساسية التي تتطلبها ديمومة حياة الانسان.
بينما قبل يومين في عمل انساني ميداني، التقينا أطفالا ونساء وعوائلاً بأكملها في المناطق المتاخمة لبغداد لا تتمتع قراهم بمصادر الماء الصالح للشرب ولا للاستخدامات اليومية ولا حتى للاغتسال لوجوه الاطفال العراقيين الذين يشتكون الامراض والعوز وانعدام السكن اللائق بشكل لا يغتفر! بينما لا يبتعدون عن سواقي وروافد نهر دجلة إلا بضع أمتار! أما المسؤولين في الدوائر المعنية ومجلس المحافظة فلا يهمهم امر هؤلاء الا أيام الحملات الانتخابية حيث بكل سهولة، يشترون ذممهم للحصول على أصوات مقابل لا خدمات تقدم!
دون اي شك، هذا أحد امثلة القضاء على وسائل صناعة السلام بهدف ضمان العوز والنزاع بين المواطنين والسلطات لاستبعاد السلم الأهلي.
عملية ديناميكية
مع كل ما سبق، يمكن أن يكون صنع السلام عملية ديناميكية لإنهاء الصراع من خلال التفاوض أو الوساطة، على الرغم من هشاشة السلام بسبب عدم استقراره، لأن مصادر الصراع نادراً ما يتم حلها أو القضاء عليها بالكامل. ولأن الصراع متأصل في الحالة الإنسانية، فإن السعي إلى السلام قوي بشكل خاص في أوقات الصراع العنيف. ونختتم بالتضامن مع إعلان قداسة البابا فرنسيس العام الجديد 2025 للأمل.