فاتح عبد السلام
اضطرت «توليب صديق» وزيرة الدولة للشؤون المالية في بريطانيا للاستقالة بعد فتح تحقيقات في عقود فساد كانت قريبة منها، وتطاول صفقة بخمسة مليارات دولار لبناء مفاعل نووي في بنغلاديش. وهذا أمر طبيعي في بلد فيه أعرق النظم الديمقراطية بالعالم ويقوم على شفافية المعاملات واسس دولة القانون.
وبنغلاديش بلد لا يشبه العراق في إمكاناته وظروفه السياسية وأوضاعه البشرية والقانونية العامة، وانه لابدّ من أن تكون هناك محاذير كبيرة ومحاطة بالاهتمام القانوني يقتضيها التعامل المالي والاستثماري البريطاني الرسمي مع العراق أحد أكبر مواطن تفشي الفساد بالعالم بحسب المنظمات الدولية المعنية، ونحن نشهد اليوم تفاهمات واتفاقات ذات حجم كبير تخص استثمارات في قطاعات عسكرية وأمنية وصناعية وخدمية، وبمبالغ اكثر مرة ونصف المرة من المبالغ المشتبه بها في بنغلاديش.
انّ الحزمة الاستثمارية والتعاونية العظيمة التي جرى التفاهم عليها بين بريطانيا والحكومة الحالية في العراق، ذات منافع أساسية لبلد شبه مُحطم ، ولعلّها اتفاقات تأخرت عشرين سنة وكان من الصحيح ان تكون منذ بداية العهد الجديد للعراق، فليس هناك افضل من بريطانيا في تقديم العون للعراق، وكان من المفترض ان يتمتع العراقيون، وهم بحدود جيل كامل، بتلك الفوائد منذ زمن طويل، لكن ذلك لم يحدث بسبب منظومات الفساد والإرهاب المتنوع والعوائق الدولية، وقد حانت اليوم فرصة ذهبية لتحقيق ذلك، ولابدّ من الحرص عليها وعدم اضاعتها مطلقاً، لعلّ الجيل التالي يفيد منها بعد أن يئس الجيل الأخير.
سياسياً ، الأمنيات والبيانات الجامعة المانعة لا تصنع ضمانات لشفافية تنفيذ أو لحصانة اتفاقات، ولو كان ذلك يجدي نفعاً لكان مجدياً مع الولايات المتحدة صاحبة الفضل الأول في صناعة العراق الجديد، التي وقعت معه أكبر اتفاقية اطار استراتيجي في الاقتصاد والأمن والجيش والاعمار والطاقة، لكن تخللتها عمليات قصف للمصالح الامريكية مراراً من قبل مليشيات ذات نفوذ سياسي واعتباري عابر للقوانين، قبل ان تلوح الطلّة البهية للرئيس ترامب التي اعادت الكثير من «العدادات» السياسية والأمنية المحلية والإقليمية الى سقف منخفض ودون العادي احياناً. وبرغم ذلك لا تحظى اتفاقية الإطار بتنفيذ كامل.
غير أنّ بريطانيا ستكون بحاجة الى برنامج مكافح للفساد يصاحب عمل شركاتها وشخصياتها في العراق كي لا تطال الشبهات سمعتها وتهز ثقة دافعي الضرائب فيها أولاً، فضلاً عن حاجتها لبرنامج حماية وتحصين لاعتبارات أمنية ايضاً، فلا ندري متى ستصاب إيران أو سواها بالزكام لكي يعطس من أثر ذلك مَن في العراق. تلك هي المعادلة الحقيقية من دون تزويق لفظي دبلوماسي.