فاتح عبد السلام
الدول التي ستراوح في أوهامها وظلاميتها وخرافاتها وتتأخر في إقامة أفضل العلاقات مع الحكم السوري الجديد ستكون هي الخاسرة، فتجربة بناء دولة جديدة في سوريا سوف تتجه نحو خطوات سريعة تحت مراقبة العيون الامريكية والأوربية، لإرساء الاستقرار والحياة المدنية كخيار لا بديل عنه، وإلا ذهب الانتصار العظيم على « الفار» سدى.
بناء الدولة الجديدة في سوريا هو أمر مختلف تماماً عن اطروحات سابقة لبناء عهد جديد في العراق كانت في عام الاحتلال الأمريكي 2003، اذ رأينا كيف انزلق البلد بالساعات وليس الايام الى صراعات وتصفيات دموية وهدر للثروات وفساد واشاعة روح الانتقام والاقصاء والاجتثاث والتهجير والفشل في أعادة الكفاءات العراقية في الخارج لبناء بلدهم بسبب هيمنة عناصر وقيادات الأحزاب وهم في أغلبيتهم الساحقة من المستويات الجاهلة المتدنية في المجتمع، وليس لهم “امتياز اعتباري نوعي” سوى حمل صفة معارضة النظام السابق.
من الأسباب الأولى والرئيسية في عدم بناء حقبة مدنية حضارية جديدة في العراق، كان نظام بشار الأسد المنهار نفسه وما فعلته أجهزة مخابراته في تجنيد انتحاريين و قتلة لإشاعة الفوضى بالعراق بالتعاون مع الأجهزة الإيرانية، على أساس انّ اغراق بلدنا بالدماء سيكون عنواناً لفشل التجربة التي قادها الامريكان ولن يكون لها امتدادات نحو التغيير في سوريا، أو في ايران أيضاً. كانوا يريدون كسب الوقت فحسب بدل أن يفكروا في اصلاح علاقتهم مع الشعب السوري من اجل الافادة من الدروس المستنبطة من سقوط نظام صدام حسين.
سوريا الجديدة ستواجه تحديات كبيرة في البناء والاقتصاد، اذ انّها بلد مُخرَّب ومنهوب بمعنى الكلمة، لكن التحدي الأمني سيكون هو الأكبر، إذ لا يمكن استبعاد محاولات «بعض» العقليات الاستخبارية المجاورة من المغامرة في ارسال انتحاريين تحت شعارات تعبئة جديدة لإشاعة الخوف والدماء مجددا في الشارع السوري، غير انّه خيار اليائسين والجَهلة، ولن يكتب له النجاح بالرغم من إمكانية حدوث خروقات قبل استتباب الوضع في بلاد الشام.
”محور” التدخل في شؤون الشعوب والدول واستباحة أوضاعها السياسية والاقتصادية، انقصم ظهره في سوريا وشُلّت ذراعه في لبنان، وبقي الرأس في “دوخته” بعيداً، مع بعض فقرات الرقبة بالعراق واليمن.
لذلك لم تعد هناك أسباب مباشرة لزعزعة الاستقرار في سوريا برغم استمرار التحديات.
سوريا الجديدة تمتلك مقومات النهوض السريع، لتعيد اشراقة التنمية على ساحل المتوسط المهمل ، ولعل العراق من اكثر الدول التي يجب أن تفيد من إرساء علاقات حقيقية للتنمية والاقتصاد ومسح التاريخ المظلم من تسهيل عبور مليشيات القتل الى الشام.