الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
انتهاء‭ ‬عصر‭ ‬البريد

بواسطة azzaman

انتهاء‭ ‬عصر‭ ‬البريد

قيس الدباغ

 

الثورة‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬أبادت‭ ‬وظائفا‭ ‬وحرفا‭ ‬كثيرة‭ ‬وخلقت‭ ‬وظائف‭ ‬جمة‭ ‬،اذ‭ ‬انتهى‭ ‬عصر‭ ‬البريد‭ ‬القديم‭ ‬والرسائل‭ ‬والمغلفات‭ ‬الملونة‭ ‬وكارتات‭ ‬المناسبات‭ ‬،‭ ‬وحل‭ ‬محلها‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬وعشرات‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وبات‭ ‬بإمكان‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يرسل‭ ‬مشاعره‭ ‬وانشغالاته‭ ‬العاطفية‭ ‬وأعماله‭ ‬التجارية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬أقصاها‭ ‬خلال‭ ‬ثوان‭ ‬ولعدة‭ ‬أطراف‭ ‬وبنفس‭ ‬اللحظة،‭ ‬وأضيف‭ ‬إليها‭ ‬الصوت‭ ‬والصورة‭ ‬مع‭ ‬تأطير‭ ‬وتطريز‭ ‬بما‭ ‬يهوى‭ ‬ويجتهد‭. ‬

هكذا‭ ‬نشأت‭ ‬علاقات‭ ‬إنسانية‭ ‬رائعة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الشعوب‭ ‬وشتى‭ ‬الأعراق‭ ‬والنحل،‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬يحمل‭ ‬على‭ ‬كتفه‭ ‬تلك‭ ‬العصا‭ ‬الكبيرة‭ ‬مشدودا‭ ‬عليها‭ ‬قوس‭ ‬يتبعه‭ ‬صبي‭ ‬صغير،‭ ‬يدور‭ ‬على‭ ‬قدميه‭ ‬مناديا‭ ‬بصوت‭ ‬جهوري‭ ( ‬يندف‭ ‬قطن‭ ‬يندف‭ ‬صوف‭ ‬يمسك‭ ‬أفاعي‭ ‬يصلح‭ ‬دفوف،‭ ) ‬وحلت‭ ‬محله‭ ‬مكائن‭ ‬ميكانيكية‭ ‬تقوم‭ ‬بأضعاف‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬دقائق‭ ‬وبدون‭ ‬جهد‭ ‬بدني‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬دخل‭ ‬لتلك‭ ‬المكائن‭ ‬بمسك‭ ‬الأفاعي‭ ‬ولا‭ ‬تصليح‭ ‬الدف‭ ‬والرق‭. ‬

‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬تغير‭ ‬وبصورة‭ ‬مذهلة،‭ ‬بحيث‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أجدادي‭ ‬عاد‭ ‬للحياة‭ ‬ورأى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬لصعق‭ ‬ومات‭ ‬في‭ ‬محله‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬المفاجأة‭ ‬التي‭ ‬يعجز‭ ‬العقل‭ ‬عن‭ ‬إدراكها‭. ‬

كنت‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬احد‭ ‬التطورات‭ ‬الجديدة،‭ ‬اذ‭ ‬أن‭ ‬والدي‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬ورحم‭ ‬امواتكم‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬واقفا‭ ‬أمام‭ ‬حانوت‭ ‬لبيع‭ ‬السجائر،‭ ‬وطلب‭ ‬نوعا‭ ‬أجنبيا‭ ‬معينا،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أراد،‭ ‬ولكن‭ ‬عند‭ ‬دفع‭ ‬النقود‭ ‬وقف‭ ‬والدي‭ ‬واجما‭ ‬مشدوها‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬البائع‭: ‬ألا‭ ‬تعرف‭ ‬ثمن‭ ‬هذا‭ ‬النوع؟‭.  ‬أجاب‭ ‬والدي‭ ‬لا‭ ‬يا‭ ‬ولدي‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬أشتري‭ ‬هذه‭ ‬الكمية‭ ‬وبنفس‭ ‬السعر‭ ‬الذي‭ ‬ذكرته‭ ‬وهو‭ ‬3500‭ ‬دينار،‭ ‬ولكني‭ ‬تذكرت‭ ‬أني‭ ‬قبل‭ ‬7‭ ‬سنوات‭ ‬مضت‭ ‬بعت‭ ‬منزلا‭ ‬عائدا‭ ‬لي‭ ‬مساحته‭ ‬600‭ ‬متر‭ ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬راقية‭ ‬بالمدينة‭ ‬بـ‭ ‬3500‭ ‬دينار‭ ‬أيضا‭. ‬

لم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أستوعب‭ ‬التغير‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭. ‬نعم‭ ‬التغيير‭ ‬سريع‭ ‬وهائل‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يمضي‭ ‬للتحول‭ ‬إلا‭ ‬مفكرينا‭ ‬وقادتنا‭ ‬السياسيين‭ ‬ونظرتهم‭ ‬الينا،‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬القومية‭  ‬البراقة‭ ‬تجذب‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬الثائر‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الهادر،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬شعارات‭ ‬الشغيلة‭ ‬والفلاحين‭ ‬والإصلاح‭ ‬الزراعي‭ ‬وتأميم‭ ‬النفط‭ ‬تداعب‭ ‬عواطف‭ ‬الشعوب،‭ ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬اذ‭ ‬تسعى‭ ‬الدول‭ ‬بكل‭ ‬طاقتها‭ ‬إلى‭ ‬جذب‭ ‬استثمارات‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬إلى‭ ‬أوطانها‭ ‬وبتسهيلات‭ ‬هائلة،‭ ‬ضاربة‭ ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الشعارات‭ ‬الستينية‭ ‬والخمسينية‭ ‬،‭ ‬وأصبحت‭ ‬قداحات‭ ‬السجائر‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬تعزف‭ ‬الموسيقى‭ ‬مع‭ ‬نشرة‭ ‬ضوئية‭ ‬هي‭ ‬السائدة‭ ‬فما‭ ‬بال‭ ‬البعض‭ ‬بل‭ ‬الكثير‭ ‬لازال‭ ‬يتغنى‭ ‬بالقداحة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬بالبنزين‭ ‬والفتيلة‭ ‬القطنية‭ ‬وحجر‭ ‬القدح‭.  ‬

‭ ‬العالم‭ ‬أصبح‭ ‬قرية‭ ‬واحدة‭ ‬،وأزيلت‭ ‬الجدران‭ ‬والستر‭ ‬الحديدية‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الكذب‭ ‬والادعاء‭ ‬بضاعة‭ ‬رائجة‭ ‬في‭ ‬الإذاعات‭ ‬الصوتية‭ ‬الجماهيرية،‭ ‬فلقد‭ ‬طرد‭ ‬التلفزيون‭ ‬جهاز‭ ‬الراديو‭ ‬وأحال‭ ‬على‭ ‬التقاعد،‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬الكبيرة‭ ‬وقام‭ ‬الموبايل‭ ‬بطرد‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأجهزة‭ ‬القديمة‭ ‬وأصبح‭ ‬حضور‭ ‬مسرحية،‭  ‬ترفا‭ ‬نادرا‭ ‬جدا،‭ ‬وسيطر‭ ‬العم‭ ‬غوغل‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬الأحداث‭ ‬وأخذ‭ ‬ينشأ‭ ‬وظائف‭ ‬كثيرة،‭ ‬فلماذا‭ ‬يصر‭ ‬الكثير‭ ‬على‭ ‬ركوب‭ ‬الحصان‭ ‬والحمار‭ ‬الحساوي‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الصاروخ‭ ‬والطائرة‭ ‬النفاثة‭ ‬والقطار‭ ‬فائق‭ ‬السرعة‭. ‬

العتب‭ ‬كل‭ ‬العتب،‭  ‬هو‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فلاسفة‭ ‬اجتماع‭ ‬ومفكرون‭ ‬يوقظون‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬سباته،‭ ‬وإذا‭ ‬برزوا،‭ ‬سوف‭ ‬نرميهم‭ ‬بالحجارة‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭ ‬ونصفهم‭ ‬بأنهم‭  ‬زنادقة‭ ‬ومجدفون‭ ‬وأعداء‭ ‬الله‭ ‬والمسيرة،‭  ‬ويا‭ ‬ظلام‭ ‬السجن‭ ‬خيّم‭ ‬إننا‭ ‬نهوى‭ ‬الظلاما‭. ‬


مشاهدات 421
الكاتب قيس الدباغ
أضيف 2023/11/11 - 3:25 PM
آخر تحديث 2024/07/16 - 4:29 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 384 الشهر 7952 الكلي 9370024
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير