الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صحافة‭ ‬على‭ ‬كفِّ‭ ‬عفريت

بواسطة azzaman

صحافة‭ ‬على‭ ‬كفِّ‭ ‬عفريت

حسن النواب

لا‭ ‬امتلكُ‭ ‬إحصائيةً‭ ‬رسميةً‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬الصحفيين‭ ‬الشجعان‭ ‬الذين‭ ‬استشهدوا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬الهمرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة‭ ‬بغداد،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الدم‭ ‬الزكي‭ ‬للضحايا‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬الأبرياء‭ ‬يكادُ‭ ‬يملأ‭ ‬الصحف‭ ‬وشاشات‭ ‬الفضائيات‭. ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أنَّ‭ ‬الجهات‭ ‬الأمنية‭ ‬لمْ‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬قتلة‭ ‬معظم‭ ‬الصحفيين‭ ‬المغدورين‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة؛‭ ‬وأنَّ‭ ‬معظم‭ ‬تلك‭ ‬الملفات‭ ‬سُجّلَتْ‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬الشرطة‭ ‬ضدَّ‭ ‬مجهول‭ ‬وطواها‭ ‬النسيان؟‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬القلم‭ ‬الصحفي‭ ‬الحر‭ ‬والشجاع‭ ‬مازال‭ ‬مصرَّاً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬المحفوفة‭ ‬بالمخاطر‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬برغم‭ ‬أنَّ‭ ‬ما‭ ‬يحصدهُ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬النبيل‭ ‬هو‭ ‬النكران‭ ‬الواضح‭ ‬لجهوده‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية،‭ ‬وخير‭ ‬برهان‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬تسويف‭ ‬حقوق‭ ‬الصحفيين‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دوائر‭ ‬البلدية؛‭ ‬منتظرين‭ ‬من‭ ‬المحافظين‭ ‬وهم‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬نفخ‭ ‬الغبار‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الذي‭ ‬يكاد‭ ‬يندثر‭ ‬نتيجة‭ ‬الإهمال‭ ‬والنسيان‭ ‬ومنح‭ ‬الصحفيين‭ ‬استحقاقهم‭ ‬المادي‭ ‬والمعنوي‭. ‬إذْ‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أنَّ‭ ‬صحفيَّاً‭ ‬مثلي‭ ‬أفنى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬معترك‭ ‬الكتابة‭ ‬الصحفية‭ ‬وفاز‭ ‬بجوائز‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال؛‭ ‬لمْ‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬حتى‭ ‬الآن؛‭ ‬بالوقت‭ ‬الذي‭ ‬امتلك‭ ‬أشباه‭ ‬الصحفيين‭ ‬الأراضي‭ ‬وفي‭ ‬مواقع‭ ‬ممتازة‭! ‬وفرقٌ‭ ‬كبيرٌ‭ ‬بين‭ ‬صحفي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أبجدية‭ ‬الكتابة‭ ‬ومعاناة‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬الجليلة‭ ‬وصحفي‭ ‬كتب‭ ‬مقالاته‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬الحروب‭ ‬وقسوة‭ ‬الحصار‭ ‬وعاش‭ ‬رعب‭ ‬المطاردات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭. ‬ربما‭ ‬هو‭ ‬ذات‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الذي‭ ‬يكتب‭ ‬مقالاً‭ ‬جريئاً‭ ‬وهو‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬جحيم‭ ‬البلاد‭ ‬وبين‭ ‬صحفي‭ ‬مثلي‭ ‬أصبح‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬مهجره‭ ‬البعيد‭. ‬حيث‭ ‬أنَّ‭ ‬مسدس‭ ‬كاتم‭ ‬الصوت‭ ‬الذي‭ ‬يتربَّصُ‭ ‬لاصطياد‭ ‬قلم‭ ‬ورأس‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬لهو‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬من‭ ‬قلم‭ ‬يكتب‭ ‬مقالاته‭ ‬مطمئناً‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭. ‬ولذا‭ ‬نجد‭ ‬أنَّ‭ ‬صحفي‭ ‬الداخل‭ ‬يحاول‭ ‬تجنب‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬أهدافه‭ ‬مباشرة؛‭ ‬كما‭ ‬يحرص‭ ‬ألَّا‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬المثالب‭ ‬والأخطاء‭ ‬بمسمياتها‭ ‬الصريحة‭ ‬ولهُ‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬خشيةً‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬غدر‭ ‬الظلاميين‭ ‬وما‭ ‬أكثرهم‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬بينما‭ ‬نجد‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬المنفى‭ ‬يكتب‭ ‬بالقلم‭ ‬العريض‭ ‬كما‭ ‬يقولون؛‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مجاملةٍ‭ ‬أو‭ ‬خشيةٍ‭ ‬من‭ ‬أحد؛‭ ‬لإحساسه‭ ‬أنَّ‭ ‬حياته‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬خطر‭ ‬الاغتيال‭ ‬بمسدس‭ ‬كاتم‭ ‬الصوت،‭ ‬برغم‭ ‬أنَّ‭ ‬الظلاميين‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قرَّروا‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الصحفي‭ ‬المنفي‭ ‬ولم‭ ‬يجدوا‭ ‬سبيلاً‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إليه،‭ ‬ستراهم‭ ‬يغيرونَ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقَّى‭ ‬من‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬وتهديدها‭ ‬بطرقٍ‭ ‬دنيئةٍ‭ ‬وجبانةٍ؛‭ ‬وليس‭ ‬بعيداً‭ ‬أنْ‭ ‬يتمادوا‭ ‬هؤلاء‭ ‬الظلاميون‭ ‬بحقدهم‭ ‬ويطلقون‭ ‬رصاصهم‭ ‬المسعور‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته‭ ‬هناك‭ ‬انتقاماً‭ ‬من‭ ‬قلمه‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتوانى‭ ‬عن‭ ‬فضح‭ ‬جرائمهم‭ ‬وفسادهم‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭. ‬لقد‭ ‬لاحظتُ‭ ‬بحكم‭ ‬مراسلاتي‭ ‬المتبادلة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيين‭ ‬النبلاء‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭. ‬إنَّ‭ ‬أغلبهم‭ ‬ينتابهُ‭ ‬القلق‭ ‬بعد‭ ‬نشر‭ ‬مقالهِ‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬ما،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬المقال‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬سطوره‭ ‬كشف‭ ‬صفقة‭ ‬فساد‭ ‬ما،‭ ‬بلْ‭ ‬إنَّ‭ ‬بعض‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيين‭ ‬يضطر‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬مكان‭ ‬سكناهُ‭ ‬لأسابيع‭ ‬وربما‭ ‬لشهورٍ‭ ‬لحين‭ ‬ابتعاد‭ ‬شرور‭ ‬قوى‭ ‬الظلام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحوم‭ ‬حول‭ ‬منزلهِ‭. ‬وبهذا‭ ‬الطقس‭ ‬المشحون‭ ‬بالرعب‭ ‬والقلق‭ ‬والتوتر‭ ‬نقول‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬بعون‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيين‭ ‬هناك‭ ‬وهم‭ ‬يشهدون‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬جائحة‭ ‬صفقات‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬الوزرات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والتي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التباهي‭ ‬بتلك‭ ‬الصفقات‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬المنتفعين‭ ‬منها‭. ‬إنها‭ ‬بلوى‭ ‬ومعضلة‭ ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬هواجس‭ ‬الصحفيين‭ ‬هناك‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬سند‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬قلمهم‭ ‬الشجاع‭ ‬ورحمة‭ ‬الله،‭ ‬ولذا‭ ‬بتُّ‭ ‬ارتاب‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬البلاد؛‭ ‬كأنَّ‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬وطني‭ ‬مازالت‭ ‬على‭ ‬كفّ‭ ‬عفريت؛‭ ‬وإلاَّ‭ ‬بماذا‭ ‬أعلّل‭ ‬هذا‭ ‬القلق‭ ‬والرعب‭ ‬الذي‭ ‬يعيشهُ‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيين‭ ‬هناك؟‭ ‬لكنهم‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المنغصات‭ ‬والتهديد‭ ‬الذي‭ ‬يتربَّصُ‭ ‬بهم‭ ‬مازالوا‭ ‬يصرُّون‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬مقالاتهم‭ ‬وتقاريرهم‭ ‬الصحفية‭ ‬وتحقيقاتهم‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يجدوا‭ ‬المسؤول‭ ‬الذي‭ ‬يقرأها‭ ‬ويبدأ‭ ‬معهم‭ ‬بمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬لبناء‭ ‬البلد‭ ‬حقاَّ‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬أطالب‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬بتشكيل‭ ‬لجنةٍ‭ ‬خاصةٍ‭ ‬تتصفُ‭ ‬بالنزاهة‭ ‬وتتابعُ‭ ‬بإخلاصٍ‭ ‬وعن‭ ‬كثبٍ‭ ‬وبلا‭ ‬ملل‭ ‬ما‭ ‬تنشره‭ ‬الصحف‭ ‬من‭ ‬هموم‭ ‬وشكوى‭ ‬واستغاثة‭ ‬للمواطنين‭ ‬ويعلن‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬اللجنة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام؛‭ ‬مثلما‭ ‬أطالب‭ ‬الصحف‭ ‬الرصينة‭ ‬بتخصيص‭ ‬صفحة‭ ‬كاملة‭ ‬لنشر‭ ‬معاناة‭ ‬ومظلومية‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬تقطَّعت‭ ‬بهِم‭ ‬السبل‭ ‬وما‭ ‬أكثرهم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭. ‬كان‭ ‬الله‭ ‬بعون‭ ‬الصحفيين‭ ‬وهم‭ ‬يضعونَ‭ ‬حياتهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬كفّ‭ ‬عفريت؛‭ ‬وأيُّ‭ ‬عفريت‭ ‬لو‭ ‬علمتم‭ ‬أيها‭ ‬القراء‭ ‬الأعزاء؟‭ ‬إنَّهُ‭ ‬عفريت‭ ‬منسوج‭ ‬من‭ ‬كاتم‭ ‬صوت‭ ‬وظلام‭ ‬وغدر‭ ‬وحقد‭ ‬وشرور‭ ‬مميت‭ ‬أبعدكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬بلواه‭.  ‬


مشاهدات 656
أضيف 2023/06/19 - 3:01 PM
آخر تحديث 2024/07/16 - 7:20 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 304 الشهر 7872 الكلي 9369944
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير