الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الجاسوس‭ ‬غير‭ ‬البشري

بواسطة azzaman

الجاسوس‭ ‬غير‭ ‬البشري

فاتح عبدالسلام

ما‭ ‬أعلنته‭ ‬واشنطن‭ ‬أمس‭ ‬عن‭ ‬سيطرتها‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬معقدة‭ ‬نادرة‭ ‬على‭ ‬برمجية‭ ‬متقدمة‭ ‬للاستخبارات‭ ‬الروسية‭ ‬جرى‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬التجسس‭ ‬على‭ ‬خمسين‭ ‬دولة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الأطلسي،‭ ‬يعطي‭ ‬صورة‭ ‬صغيرة‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬الحرب‭ ‬السيبرانية‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬العمالقة‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬وبالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬كبيرة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بدول‭ ‬واقتصادات‭ ‬عظيمة‭. ‬

أهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الخبر‭ ‬هو‭ ‬انّ‭ ‬روسيا‭ ‬زرعت‭ ‬مادتها‭ ‬التجسسية‭ ‬في‭ ‬كومبيوترات‭ ‬دولية‭ ‬مستهدفة‭ ‬قبل‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً،‭ ‬وكانت‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬أعلى‭ ‬ما‭ ‬توصّل‭ ‬له‭ ‬العقل‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬التجسس‭ ‬الالكتروني،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬التجسس‭ ‬وامكاناته‭ ‬اليوم؟‭  ‬كما‭ ‬انّ‭ ‬الأجهزة‭ ‬الامريكية‭ ‬استغرقت‭ ‬عاماً‭ ‬كاملاً‭ ‬لتفك‭ ‬شيفرات‭ ‬البرنامج‭ ‬الروسي‭ ‬وتدمره،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬عن‭ ‬المدة‭ ‬التي‭ ‬ستستغرقها‭ ‬أية‭ ‬عملية‭ ‬استخبارية‭ ‬أمريكية

جديدة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬برامجيات‭ ‬تجسسية‭ ‬زرعها‭ ‬الروس‭ ‬قبل‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عاماً‭ ‬أو‭ ‬سبعة‭ ‬أعوام‭ ‬أو‭ ‬منذ‭ ‬عام،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬ويفترض‭ ‬المنطق‭ ‬أنّ‭ ‬يُقال‭ ‬إنها‭ ‬حتماً‭ ‬أكثر‭ ‬تطوراً‭ ‬ودقة‭ ‬وتأثيراً‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬عمرها‭ ‬عقدان‭.‬

الاعتماد‭ ‬على‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬التجسس‭ ‬العالمي‭ ‬بين‭ ‬الكبار‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موجوداً،‭ ‬لكنّه‭ ‬نفسه‭ ‬خاضع‭ ‬لعمليات‭ ‬اختراق‭ ‬من‭ ‬البرامجيات‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬تستهدفه‭. ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬ومنها‭ ‬العراق،‭ ‬يلعب‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬دوراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬اعتماد‭ ‬أجهزة‭ ‬استخبارات‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬بالذات‭ ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬مختلفة،‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬الحكومية‭ ‬ومتوسطة‭ ‬وصغيرة،‭ ‬ومن‭ ‬خارج‭ ‬المنظومات‭ ‬الحكومية‭ ‬أيضاً‭. ‬لاسيما‭ ‬انّ‭ ‬العمالة‭ ‬للأجنبي‭ ‬تدخل‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الفساد‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬لمسؤولين‭ ‬التمتع‭ ‬بنهب‭ ‬أموال‭ ‬العراقيين‭ ‬وترك‭ ‬مجالات‭ ‬أماناتهم‭ ‬الوظيفية‭ ‬مشرعة‭ ‬للاختراق‭ ‬بعلمهم‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬او‭ ‬بجهلهم‭ ‬وتبعيتهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جرى‭ ‬تهميش‭ ‬الشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬لصالح‭ ‬الانقسامات‭ ‬المذهبية‭ ‬والعرقية‭.‬

لا‭ ‬يزال‭ ‬العميل‭ ‬البشري،‭ ‬وليس‭ ‬الآلي،‭ ‬هو‭ ‬عنصر‭ ‬ارتكاز‭ ‬الاستخبارات‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية‭ ‬في‭ ‬التجسس‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬النواحي،‭ ‬والمسألة‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬وإنّما‭ ‬الأبواب‭ ‬فُتحت‭ ‬على‭ ‬مصاريعها‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لاحتلال‭ ‬العراق‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬وما‭ ‬تبعه‭ ‬من‭ ‬احتلالات‭ ‬واستيطانات‭ ‬جزئية‭ ‬وصفقات‭ ‬فساد‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬المال‭ ‬وفي‭ ‬باطنها‭ ‬سلب‭ ‬العراق‭ ‬ارادته‭ ‬وثرواته‭ ‬ومراكز‭ ‬قوته،‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬الجاسوس‭ ‬العادي‭ ‬بالإنسان‭ ‬أو‭ ‬بالجاسوس‭ ‬البشري،‭ ‬لأنه‭ ‬حين‭ ‬يبيع‭ ‬وطنه‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬يحمل‭ ‬صفة‭ ‬بشرية،‭ ‬فهو‭ ‬جاسوس‭ ‬فقط‭ ‬ولكنه‭ ‬غير‭ ‬بشري‭.‬

 

رئيس التحرير – الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com


مشاهدات 599
أضيف 2023/05/10 - 3:34 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 5:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير