زيارة قبر المتنبي تثير في نفسي الذكريات
النعمانية - حمدي العطار
عند ما اعلن كروب لأحياء الاثار والتراث – يستوحي اسم هي ملكة الحضر العراقية- عن برنامج رحلته الى محافظتي الكوت والعمارة وكانت الفقرة الاولى زيارة (قبر الشاعر او الطيب المتنبي) في مدينة النعمانية تحمست للرحلة .
وبمجرد دخولي الى المكان الذي يقع في مدخل مدينة ( النعمان بن المنذر)- النعمانية- لنتوجه الى ضريح المتنبي ، تذكرت عشق والدي الراحل -رحمه الله - للمتنبي حتى الف كتابا بعنوان (اسرار العداوة بين طه حسين والمتنبي) ، وسعادتي كانت في مساهمتي بطباعة هذا الكتاب وفاء لذكرى والدي الذي كان ينظم الشعر وكتابة النثر وله أهتمامات وميول تمثلت في متابعة الاطلاع على موروث الادب العربي والتاريخ الاسلامي وانطلاقا من حبه المزدوج للمتنبي وطه حسين كتب هذا الكتاب بهدف تصحيح الافكار والمفاهيم التي شكلت رؤية الكاتب طه حسين للمتنبي وتضمن الكتاب لمحات نقدية تعبر عن التسامح دون تحيز أو اعتماد على افكار مسبقة !
تلة مرتفعة
يطلق على قبر المتنبي (قبر ابو سورة) نسبة الى مياه الزرع ومياه الامطار تدوران حول القبر ولا تلامسه – السبب هو وجود القبر على تلة مرتفعة- لكن الناس اعتقدت غير ذلك واعدت صاحب القبر مقدسا! وتم سابقا بناء قبور الاطفال الموتى بالقرب من قبر المتنبي!
المكان الذي قتل فيه المتنبي وابنه محسد وغلامانه يقع على ضفة نهر دجلة ، يكتب والدي عن حادثة استشهاد المتبي قائلا " لما وصل المتنبي الى واسط حذره الجبلي من فاتك الاسدي ونصح له ان يصطحب حراس فأبى مستكبرا وعرض عليه ان يتولى هو حراسته بإرسال نفر من اصحابه يسيرون بمسيرته، وينزلون بنزوله فإبى مستكبرا ايضا ، وخرج وليس معه الا أبنه وغلمانه فالقاه فاتك واصحابه قريبا من (دير العاقول) – وهي محطة استراحة بين الطرق القديمة التي كانت تربط الكوت بإيران- ، فكان بينهم من قال وبعدها قتله وقتلوا ابنه وغلمانه جميعا واخذوا ما معهم من متاع وكتب ومال" ولا صحة لما يقال عن خوف المتنبي وقراره بالهروب بينما كان ابنه محسد يذكره بهذا البيت الشعري:- الست من قال:
الخيل والليل والبيداء تعرفني / والرمح والقرطاس والقلم
ولو كان خائفا لاستجاب الى (الجبلي) ووافق على حمايته، ثم لا مجال لهروب المتنبي فكانت المواجهة غير المتكافئة ومقتل المتنبي عام 354هجرية 965 م وعمره 54 عاما ! وسبب مقتله هو قصيدة هجاء قاسية هجى فيها (ضبه الاسدي) ابن اخت فاتك!
المكان الذي دفن فيه المتنبي وهو تابع لوزارة الثقافة والسياحة والاثار، يضم سبع قاعات منفصلة يسكن فيها احيانا من يعمل بالاثار والتنقيب بالتلول الاثرية مثل (تل البقر) وكانت تلك اعمال التنقيب يسهم فيها فريق من ايطاليا.
كما اقيم اول مهرجان شعري للمتنبي عام 1963 وشارك فيه عدد كبير من الادباء والنقاد العراقيين ، وتنطلق فعاليات مهرجان المتنبي في النعمانية كل عام وتستغرق 3 ايام تتضمن حلسات شعرية وحلقات دراسية تتناول شخصية المتنبي وطبيعة اشعاره.
وصف القبر
بني هذا القبر – الذي يعتقد البعض بإنه رمزي- من الطين في الثلاثينيات من القرن الماضي على يد ( حمودي الشكور) – من وجهاء النعمانية- في نهاية الاربعينيات جاءت لجنة دولية قامت بتحليل الرفات للتأكد من صاحب القبر واكدت ذلك، عام 2000 شيد البناء الحالي ، وفي وصف القبر يقول مدير البيت الثقافي في واسط " الضريح الحالي بني على هيئة ستة اضلاع ارتفاع كل منها 13 مترا تلتقي في الأعلى ، لتكون قبة اسفلها دائرة تطل على القبر، وفيها زخارف منقوشة واحيط الضريح بسياج حديدي نقشت فيه ابيات للمتنبي" . واستذكر في نهاية هذا الموضوع ما كتبه والدي عن المتنبي ( شاعر عاش وهو مغبون ومات وهو مغبون ايضا، كان ينشد الحرية والاستقلال ، وكان يحمل نفسا أبية عالية، وكان يريد أن يكون للشاعر سلطان! كان ابو الطيب يريد ان يعيش وحيدا ويموت وحيدا ذلك الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس)
يتبع