الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فرجة‭ ‬مسرحية‭ ‬تشبه‭ ‬يحيى‭ ‬ولد‭ ‬صفية

بواسطة azzaman

فرجة‭ ‬مسرحية‭ ‬تشبه‭ ‬يحيى‭ ‬ولد‭ ‬صفية

علي السوداني

 

مسرح‭ ‬صغير‭ ‬بإضاءة‭ ‬جزئية‭ ‬ويحتوي‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬واطئة‭ ‬في‭ ‬عمقه‭ ‬المرئي‭ .‬

دكة‭ ‬مزروعة‭ ‬فوق‭ ‬دكة‭ ‬المسرح‭ ‬الرئيسية‭ . ‬أدوات‭ ‬سيرك‭ ‬مختلفة‭ ‬الأشكال‭ ‬والمهام‭ .‬

يخرج‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬مهرج‭ ‬السيرك‭ ‬الحزين‭ ‬بقيافة‭ ‬ناقصة‭ ‬،‭ ‬وبيده‭ ‬هاتف‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬القديم‭ .‬

الجمهور‭ ‬ينتظم‭ ‬على‭ ‬الدكة‭ ‬الرئيسية‭ ‬بصورة‭ ‬سطرين‭ ‬من‭ ‬الكراسي‭ ‬المتوازية‭ ‬وعلى‭ ‬مبعدة‭ ‬متر‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬عتبة‭ ‬المهرج

كرسي‭ ‬وحيد‭ ‬منفرد‭ ‬على‭ ‬يمين‭ ‬الدكة‭ ‬يستوطنه‭ ‬شخص‭ ‬غامض‭ ‬بلحية‭ ‬طويلة‭ ‬وشعر‭ ‬منفوش‭ ‬وأمامه‭ ‬كأس‭ ‬عرق‭ ‬وكتاب‭ ‬ضخم‭ ‬وقلم‭ ‬ونظارة‭ ‬واطار‭ ‬واقف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬لوحة‭ .‬

في‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬لهذا‭ ‬المشهد‭ ‬أي‭ ‬خلف‭ ‬الجمهور‭ ‬الافتراضي‭ ‬،‭ ‬توجد‭ ‬كاميرا‭ ‬عملاقة‭ ‬يقف‭ ‬خلفها‭ ‬مصور‭ ‬شاب‭ ‬يرتدي‭ ‬نفس‭ ‬ثياب‭ ‬المهرج‭ ‬البطل‭ ‬،‭ ‬وبجانبه‭ ‬رجل‭ ‬ضخم‭ ‬طويل‭ ‬عريض‭ ‬بلباس‭ ‬أنيق‭ ‬وحمالات‭ ‬بنطلون‭ ‬ملونة‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬ايحاء‭ ‬ممكن‭ ‬يوحي‭ ‬للمشاهد‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬هو‭ ‬مالك‭ ‬المسرح‭ .‬

بخروج‭ ‬المهرج‭ ‬البطل‭ ‬تبدأ‭ ‬عاصفة‭ ‬من‭ ‬التصفيق‭ ‬والتهليل‭ ‬والرقص‭ ‬،‭ ‬وتتواصل‭ ‬لدقيقتين‭ ‬حتى‭ ‬تصمت‭ ‬لتتحول‭ ‬الكامير‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الى‭ ‬وجه‭ ‬البطل‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬حزيناً‭ ‬ولاصقاً‭ ‬سماعة‭ ‬الهاتف‭ ‬القديم‭ ‬بأذنه‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬شكل‭ ‬أذن‭ ‬الفيل‭ .‬

قبل‭ ‬صعود‭ ‬المهرج‭ ‬على‭ ‬دكته‭ ‬،‭ ‬يحدث‭ ‬الحوار‭ ‬الهاتفي‭ ‬التالي‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الآخر‭ ‬الافتراضي‭ ‬الموجود‭ ‬على‭ ‬الجهة‭ ‬الثانية‭ ‬للخط‭ .‬

صوت‭ ‬المهرج‭ ‬حزين‭ ‬ومجروح‭ ‬،‭ ‬وصوت‭ ‬الآخر‭ ‬مسترخ‭ ‬وفيه‭ ‬رائحة‭ ‬شماتة‭ :‬

المهرج‭ : ‬سلام‭ ‬صديقي‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬؟

الآخر‭ : ‬نعم‭ ‬أيوب‭ ‬عزيزي‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬يقيني‭ ‬من‭ ‬اسمي‭ ‬واسم‭ ‬أمي‭ ‬وأبي

المهرج‭ : ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬شيئاً‭ ‬مما‭ ‬تقول‭ .. ‬كنت‭ ‬تحت‭ ‬نصب‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الباب‭ ‬الشرقي‭ ‬وتناولت‭ ‬لفة‭ ‬فلافل‭ ‬رائعة‭ ‬ثم‭ ‬قطعت‭ ‬شارع‭ ‬السعدون‭ ‬مشياً‭ ‬وتوقفت‭ ‬عند‭ ‬بائع‭ ‬الشاي‭ ‬قرب‭ ‬سينما‭ ‬بابل‭ .. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬قبل‭ ‬أربع‭ ‬ساعات‭ ‬فقط‭ !!‬

الآخر‭ : ‬تمام‭ ‬جدا‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ .. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬الأمر‭ ‬قبل‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬الآن‭ .. ‬الدبابة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أسقطت‭ ‬تمثال‭ ‬الرئيس‭ ‬بساحة‭ ‬الفردوس‭ ‬والناس‭ ‬تتجمع‭ ‬حول‭ ‬بقايا‭ ‬التمثال‭ ‬بهرج‭ ‬ومرج‭ ‬وذهول‭ ..‬

لقد‭ ‬سقطت‭ ‬بغداد‭ ‬يا‭ ‬صابر‭ ..‬

هنا‭ ‬وبعد‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬والموسيقى‭ ‬المشجنة‭ ‬،‭ ‬يبدأ‭ ‬جمهور‭ ‬المسرح‭ ‬بالتململ‭ ‬والوقوف‭ ‬الفوضوي‭ ‬مع‭ ‬هتاف‭ ‬جمعي‭ ‬ملحون‭ :‬

الجمهور‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يضحك‭ .. ‬الجمهور‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يضحك‭ ..‬

في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬يقوم‭ ‬المهرج‭ ‬بوضع‭ ‬الهاتف‭ ‬القديم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬،‭ ‬وينهض‭ ‬متثاقلاً‭ ‬مكسور‭ ‬الظهر‭ ‬متوجهاً‭ ‬الى‭ ‬الحضور‭ ‬الهائج‭ ‬،‭ ‬وبصوت‭ ‬يكاد‭ ‬ينتج‭ ‬بكاء‭ ‬مكتوماً‭ ‬ليحدث‭ ‬الحوار‭ ‬التالي‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬المتفرجين‭ ‬الثائرين‭ :‬

المهرج‭ : ‬أيها‭ ‬الأحبة‭ ‬اعتذر‭ ‬جداً‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الآن‭ ‬تقديم‭ ‬وصلة‭ ‬الضحك‭ ‬لهذا‭ ‬اليوم‭ !‬

أحد‭ ‬الحاضرين‭ : ‬اسمع‭ ‬أيها‭ ‬المهرج‭ ‬البليد‭ ‬،‭ ‬لسنا‭ ‬معنيين‭ ‬بأوجاعك‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬امساك‭ ‬شديد‭ .. ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬تبديل‭ ‬وصلتك‭ ‬وتخرج‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬فنحن‭ ‬موافقون‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬صلية‭ ‬ضرطات‭ ‬من‭ ‬مؤخرتك‭ ‬وهذا‭ ‬يكفي‭ ‬لإنتاج‭ ‬بحر‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬هههههههههه

المهرج‭ ‬بنفس‭ ‬النبرة‭ ‬الموجعة‭ : ‬جمهوري‭ ‬العزيز‭ ‬أنا‭ ‬بخير‭ ‬وجسدي‭ ‬يؤدي‭ ‬وظيفته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬عطب‭ !‬

مشاهد‭ ‬آخر‭ : ‬إذن‭ ‬اتحفنا‭ ‬بما‭ ‬تجود‭ .. ‬نحن‭ ‬نشتهي‭ ‬الضحك‭ ‬الآن

المهرج‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬نفسه‭ ‬ويوزع‭ ‬نظراته‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬مالك‭ ‬المسرح‭ ‬والمصور‭ ‬الشاب‭ ‬،‭ ‬وبصوت‭ ‬باكٍ‭ ‬تماماً‭ :‬

لكنَّ‭ ‬بغداد‭ ‬قد‭ ‬سقطت‭ ‬قبل‭ ‬ساعة‭ ‬وليس‭ ‬بمقدوري‭ ‬أن‭ ‬أزودكم‭ ‬سوى‭ ‬ببكاء‭ ‬مرير‭ ‬مرير‭ ..‬

قطع‭ ‬بأغنية‭ ‬فيروز‭ :‬

بغداد‭ ‬والشعراء‭ ‬والصورُ

ذهبُ‭ ‬الزمانِ‭ ‬وضوعُهُ‭ ‬العطرُ

يا‭ ‬ألفَ‭ ‬ليلةَ‭ ‬يا‭ ‬مكمّلة‭ ‬الأعراس

يغسلُ‭ ‬وجهَكِ‭ ‬القمرُ

تعود‭ ‬الفوضى‭ ‬لتعم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬فيقوم‭ ‬ثالث‭ ‬بيده‭ ‬حبتا‭ ‬طماطم‭ ‬ويوجه‭ ‬كلامه‭ ‬القوي‭ ‬صوب‭ ‬المهرج‭ ‬التالف‭ ‬المنكسر‭ :‬

وما‭ ‬ذنبنا‭ ‬نحن‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬وما‭ ‬سيحدث‭ .. ‬لقد‭ ‬دفعنا‭ ‬ثمن‭ ‬التذاكر‭ ‬ونريد‭ ‬حصتنا‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬أيها‭ ‬الشاطر‭ ‬الحيال‭ ‬،‭ ‬نريدها‭ ‬فوراً‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اتصل‭ ‬بك‭ ‬صاحبك‭ ‬الغبي‭ ‬ثانيةً‭ ‬وزف‭ ‬اليك‭ ‬نبأ‭ ‬موت‭ ‬أمك‭ .. ‬أضحكنا‭ ‬أيها‭ ‬الفتى‭ ‬أو‭ ‬نجعل‭ ‬جسدك‭ ‬ووجهك‭ ‬وخشمك‭ ‬مصداً‭ ‬للطماطم‭ ‬الفاسدة‭ !! ‬

قطع‭ ‬يصور‭ ‬تضامن‭ ‬الجمهور‭ ‬مع‭ ‬طلب‭ ‬صاحبهم‭ ‬،‭ ‬وانتقال‭ ‬سريع‭ ‬صوب‭ ‬الكرسي‭ ‬والطاولة‭ ‬التي‭ ‬يجلس‭ ‬إليها‭ ‬الملتحي‭ ‬المخمور‭ ‬الذي‭ ‬سيكرع‭ ‬كأساً‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬خمرته‭ ‬ثم‭ ‬يشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬رخيصة‭ ‬وينهض‭ ‬على‭ ‬حيله‭ ‬ببطء‭ ‬شديد‭ ‬،‭ ‬ويوجه‭ ‬أصبعه‭ ‬السبابة‭ ‬ويده‭ ‬المرتعشة‭ ‬نحو‭ ‬عمق‭ ‬المسرح‭ ‬المضاد‭ ‬،‭ ‬فيظهر‭ ‬مالك‭ ‬المكان‭ ‬بملابسه‭ ‬الملونة‭ ‬الباذخة‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬يطلق‭ ‬ضحكةً‭ ‬مجلجلة‭ ‬طويلة‭ ‬ومتقطعة‭ ‬،‭ ‬ينهض‭ ‬الجمهور‭ ‬مقلداً‭ ‬ضحكة‭ ‬المالك‭ ‬السمين‭ ‬،‭ ‬ويصطف‭ ‬بخط‭ ‬مستقيم‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬يبدأ‭ ‬الخروج‭ ‬فرادى‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الباب‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬منه‭ ‬المهرج‭ ‬البطل‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ !!‬

‭ ‬


مشاهدات 270
أضيف 2022/12/13 - 11:19 PM
آخر تحديث 2024/06/27 - 5:21 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 368 الشهر 368 الكلي 9362440
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير