صورة الغراب في المخيال الجمعي
عدنان سمير دهيرب
يُسقط الانسان غالباً ما يخزن من تشوهات في سلوكه و تصرفاته على الآخر سواء كان إنسان أو حيوان أو طير ، ليشير الى إيجابياته و عفته و رحمته و كل الصفات الحسنة التي سمعها و تعلمها كي يكشف عن أنسنته ، لدواعي دينية أو أجتماعية يسعى من خلالها الى الارتقاء و الحضور الايجابي ، رغم أنه يمتلك ثنائيات متضادة ربما تفرضها الظروف و البيئة و أثرها على الشخصية و ما تحمل من تناقضات.
فقد تواترت في أذهاننا صورة الغراب ، على أنه رمزاً للشؤوم و الحزن ، و كانت الامهات حين تسمع صوته تقوم بضرب الأواني كي يعلو الضجيج على نعيقه الذي يجلب النحس أو المصائب على العائلة و أولهم الاطفال.
و لأن العادات و التقاليد السائدة في المجتمع يرددها الأفراد و يتمسك بها دون مناقشتها أو نقدها بما تحمل من إيجابيات أو سلبيات لمعرفة الاسباب و الدوافع التي أفضت الى التمسك بها و غدت قوانين و أعراف غير مكتوبة، فأن نعيق الغراب ظل في المخيال الجمعي مرفوضاً لغاية الآن بوصفه نذير شؤوم . و يرى الفنان الدكتور علاء بشير أن هذا الرفض يعود الى أن الغراب كان الشاهد الوحيد على أول جريمة قتل أرتكبها الانسان .
و أوضح لنا في حوار صحفي قبل ثلاثون عاماً حين أقام معرضه التشكيلي على قاعة الرواق ، و غلبت حركة الغراب بأشكال مختلفة على اللوحات المعروضة ، التي أراد من خلالها الاشارة الى هذا الطير الذي كان شاهداً و معلماً للانسان في كيفية التعامل مع الضحية حين أرتكب قابيل جريمة قتل أخيه هابيل التي كانت لحظة البدء في مدونات البشرية الغارقة بالبشاعة و الدماء و العنف ، إذ إنتابته الحيرة في التعامل مع جثته ، حينها علمه بحركات إيحائية كيفية دفن الضحية .
ورغم أن هذا الدرس المفيد لم يزل سائداً لدى كل أتباع الديانات السماوية ، غير أنه مرفوض من الانسان العراقي و ربما مجتمعات أخرى ، رسمت صورة سلبية لهذا الطير .
ازاحة القناع
واليقين أن الانسان يكره الآخر الذي يؤشر سلبياته و يزيح القناع الذي يختبئ خلفه و ما يحمل من بشاعات تتمثل بالنفاق و الكذب و القتل و القسوة و السرقة و طعن المتقدمين عليه. وخلافاً لسلبية الصورة النمطية لدينا ، و تأكيداً للجمال و الألفة التي تنماز بها سلوكيات الحيوانات و الطيور أذا ما توفرت البيئة و تعاطف الانسان معها ، فقد ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن شركة ناشئة في السويد قامت بتجنيد طيور الغربان لألتقاط أعقاب السجائر في الشوارع كجزء من حملة لخفض التكاليف ، وتتلقى الطيور القليل من الطعام مقابل كل أعقاب تودعها في آلة مصممة من قبل الشركة و يتم تدريب غربان كاليدونيا على التقاط أعقاب من الشارع و إيداعها في آلة خاصة ، و ان المشروع يمكن أن يؤدي الى توفير 75 بالمئة من تكاليف التنظيف ويتم التخلص من مليارات أعقاب السجائر في شوارع السويد سنوياً.
والغربان من أكثر المخلوقات ذكاءاً في العالم ، وليس في مملكة الطيور فقط ، إذ تستخدم الادوات التي تصنعها بنفسها للوصول الى الطعام الذي يتعذر الوصول اليه بأية طريقة أخرى ، كما يمكنها تذكر وجوه الناس . بمعنى اننا نشبه سلوك السويديين في قذراتهم ، و نختلف معهم في إسقاط شؤوم البيئة المثقلة بأشكال من التلوث السياسي و الاعلامي و الامراض الاجتماعية على طير هو الاذكى بين المخلوقات في الطبيعة .