فتائل القناديل
حسام خوام ال يحيى
نحن معشر الكتاب لا نحبذ التسلط أبداً، ولا يفكر أي منا بذلك الهوس المحموم عند الناس بتسلق المناصب الرفيعة كما هو الحال عند الأخرين ممن يحترفون الوظائف الحكومية وغيرها. قانعون دوماً بما نملك مثل النمل الذي يبني ممالكه العظيمة، بصمت، تحت سطح الأرض، لا بل_ وهذه حقيقة لا جدال فيها_ إن المناصب الإدارية الرفيعة في إتحادات ونقابات الكتبة والأدباء لطالما ترفع عن الترشح نحوها الأدباء الحقيقيون، وتسنمها إناس لا علاقة لهم بالأدب أصلاً. وأقول الحقيقيون وأعني ذلك تماماً وعن يقين؛ فمعظم من تولوا تلك المناصب الإدارية في الإتحادات والنقابات الأدبية هم من طائفة زئبقية أسميهم أنا بفتائل القناديل التي رغم تفاهة مهمتها التي تنحصر في إذكاء الشعلة المشتعلة بالزيت الذي تمتصه من قعر القناديل لكنها حينما تشتعل تنصرف نحو نورها كل الأبصار متناسين الدور البطولي للزيت المحترق الذي هو مصدر النور وطاقته، والذي لا يعيره الناس أي اهتمام سوى حرصهم المحموم على ملئ خزانات قناديلهم بالزيت قبل حلول الظلام.لذا يرانا البعض هامشيون على الأغلب، ومتكاسلون عن إداء مهام العمل الإداري والنقابي، والحقيقة هي إننا لا نجد السكينة إلا في تلك المناطق المعتمة بعيداً على بهرجة الأضواء وجلبتها. فمعظم الأدباء في العالم، والعراقيون منهم، لا يفضلون الإنتماء أصلاً للإتحادات والنقابات الأدبية؛ فالرعيل الأول لكتاب السرد العراقي، ورغم إبداعهم في مجال الكتابة، إلا إنهم رفضوا الإنتماء لتلك الإتحادات من أمثال القاص العراقي محمود عبد الوهاب والقاص محمود أحمد السيد والروائي فؤاد التكرلي وغيرهم.
مناصب ادارية
وحتى أبناء هذا الجيل الذهبي لفن السرد العراقي حذوا حذو من سبقوهم في مجافاة المناصب الإدارية، أمثال الروائي العراقي الكبير أحمد سعداوي والراوئية الفذة إنعام كجه جي والروائي العراقي المغترب سنان أنطوان لم ينتموا هم أيضاً لإتحاد الأدباء العراقي رغم إن أعمالهم حصدت الجوائز الأدبية المرموقة وترجمت للعديد من اللغات. ربما يكون لهذا الجفاء مع حب السلطة سبب وجيه لا نصرح به نحن معشر الكتاب، ونحرص على إلتزام جانب الصمت حينما نسأل عن سبب عدم الإنتماء للإتحادات والرابطات والنقابات الأدبية، وهو إن الكاتب دوماً ما يحب أن يحبس نفسه في قوقعة محكمة ولا يسمح لأحد بالإقتراب من عالمه الخاص طلباً للسكينة والهدوء والعزلة ليهيء لنفسه المجال الرحب للكتابة. وهذا ما ستخرقه وتنغصه تلك المناصب بضجيجها ومشاغلها وهو ما لا يحبذه أي كاتب في العالم.
منافع مادية
ولربما يكون سبب ذلك العزوف هو الشعور العام بالإحباط لدى معظم الأدباء من تراجع المنافع المادية التي كان يتحصل عليها الأدباء من وراء بيعهم لنتاجاتهم الأدبية في السنوات التي سبقت الطفرة التكنلوجية التي غزت العالم عقب اكتشاف الإنترنيت مطلع تسعينيات القرن الماضي؛فتجارتنا نحن معشر الكتاب أمست كاسدة في زمنٍ إنشغل به الناس عن القراءة نحو ولوج عوالم المتعة الرقمية المتاحة هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها بشكل يكاد يكون شبه مجاني مقارنة بأسعار الكتب المكلفة والتي أصبحت مملة في نظر عامة المجتمع. ومع مرور الوقت، وبغياب الدعم الحكومي لشريحة الأدباء سينعكس هذا الإحباط العام على شحة النتاج الأدبي لدرجة إن الكثير من الأدباء سيعرضون عن الكتابة والتأليف، ويكتفون بكتابة بعض المنشورات والتغريدات الأدبية على مواقع التواصل الإجتماعي، وقد يكتفون بالفرجة على إنحطاط الواقع الثقافي دون أن يحركوا أي ساكن...