هناك نظريتان في التعامل مع سرقة أموال الدولة، الأولى تستند الى تجارب منها المصرية في التركيز على استرداد الملايين المنهوبة والعفو عن اللصوص.
وهناك نظرية أخرى تقول بضرورة ان ينال السارقون الاحكام القضائية المنصوص عليها قانوناً، وانه لا ينبغي ان ينجو أحد من فعلته، مع اتخاذ الإجراءات في سياق التحقيقات مع لصوص المال العام لاسترداد المسروقات.
الأموال التي سرقت من العراق عبر سنوات عديدة وليس في السنتين الأخيرتين، جعلت من البلد في اعلى مراتب الفساد بين دول العالم، ومن ثم فإنّ استرداد خمسة بالمائة من آخر سرقة مرصودة، وهو منجز يبشر بخير طبعاً، لكنه في الوقت ذاته يوحي بأنَّ ما يقال عن تسوية معينة لمّح اليها رئيس الحكومة في مؤتمره الصحفي، قد لا تكون متناسبة مع جسامة الضرر الذي لحق بالعراق.
انّ اللص الماثل بحسب الصور المسربة وراء القضبان، والذي يبدو انه بات يحمل صفة مبتدعة هي متهم تحت التسوية والامل الشرعي بالإفراج عنه، لا يمكن ان يكون حالة منعزلة وفردية، وانما هو السمكة التي كانت مطمئنة في السباحة في بحيرة فساد محصنة ضد جميع أسباب الملاحقة. وهذا لا يمكن ان يكون وحده، ولكن الأهم هو مَن هي الجهة الكبيرة التي تقف وراءه وقد استخفت بالدولة الى درجة يخجل منها كلّ شيء حي او جامد، يحمل اسم العراق.
لن تكون الصورة واضحة، بل ستزيد المشهد غموضاً وتعقيداً، حين يتم الكشف عن مجرد منخار واحد من أنف أو جزء من أذن أو ظُفر من أصبع في قدم أو شعرات معدودات من ذقن أو عانة أو نعلجة في بسطال، واعتبار ذلك هو جوهر الصورة وأساسها.
بلا شك انّ هناك جهوداً معلنة تبذل لملاحقة صفقات فساد، لكن الذي يُخشى منه ان تكون بعض الملاحقات ردّ فعل من اجل تصفيات ذات بعد انتقائي سياسي، ذلك انّ العراقيين لديهم قناعات راسخة في انَّ كبار اللصوص لايزالون في المشهد السياسي أو حواليه أو في دهاليزه، وانَّ على الأجهزة المختصة ان تعتبر قناعة الملايين الاربعين بمثابة بلاغ الى النائب العام من اجل فتح باب التحقيقات مع حيتان الفساد المُحصنين بالعُرف والتوافق والانتماء والموالاة والصُدف الدولية السعيدة.
أمّا إذا جرى تجاهل قناعات الملايين وعدّها رجماً بالغيب، وتنفسياً عن أحقاد، ورمياً للمُحصنين» عقائديا» فتلك ستكون بداية لمرحلة سيئة، لعل ظهور نتائجها في الشارع أسرع مما يعتقد أيّ مراقب.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية