الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قصة‭ ‬عتيقة لم‭ ‬تكتمل‭ ‬بعد

بواسطة azzaman

قصة‭ ‬عتيقة لم‭ ‬تكتمل‭ ‬بعد

علي السوداني

 

لم‭ ‬يكن‭ ‬الولد‭ ‬كثير‭ ‬اللحم‭ ‬والشحم‭ ‬عودة‭ ‬الطيب‭ ‬مثقفاً‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬كتاباً‭ ‬واحداً‭ ‬بحياته‭ ‬القصيرة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬،‭ ‬باستثناء‭ ‬أجزاء‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬البديع‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يجبره‭ ‬على‭ ‬حفظها‭ ‬وترتيلها‭ ‬وأحياناً‭ ‬رسم‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬فائض‭ ‬،‭ ‬أبوه‭ ‬شيخ‭ ‬البلدة‭ ‬ومؤذنها‭ ‬وعاقد‭ ‬بعض‭ ‬زيجاتها‭ ‬الحلال‭ . ‬طرق‭ ‬بابي‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادته‭ ‬قبل‭ ‬انتصاف‭ ‬النهار‭ ‬بنحو‭ ‬ساعة‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يسبب‭ ‬لي‭ ‬كآبة‭ ‬صباحية‭ ‬مبكرة‭ ‬تجعلني‭ ‬أستقبل‭ ‬الطارق‭ ‬اللعين‭ ‬بوجه‭ ‬باهت‭ ‬لا‭ ‬يقطعه‭ ‬سيف‭ ‬وضحكة‭ ‬مجلجلة‭ ‬وكيس‭ ‬أسود‭ ‬تنام‭ ‬ببطنه‭ ‬زجاجة‭ ‬عرق‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬حداد‭ ‬الذهبي‭ .‬

هذه‭ ‬الازعاج‭ ‬لا‭ ‬يشمل‭ ‬زوجة‭ ‬الحارس‭ ‬والخادمة‭ ‬النازلة‭ ‬من‭ ‬درج‭ ‬البيت‭ ‬المقابل‭ ‬لغرفتي‭ ‬،‭ ‬وطبعاً‭ ‬الزيتاوي‭ ‬صاحب‭ ‬المكان‭ ‬والزمان‭ ‬الذي‭ ‬أنعم‭ ‬عليَّ‭ ‬أول‭ ‬البارحة‭ ‬بلوحة‭ ‬مذهلة‭ ‬معمولة‭ ‬من‭ ‬خلطة‭ ‬ألوان‭ ‬حارة‭ ‬مفروشة‭ ‬على‭ ‬قماش‭ ‬يسميه‭ ‬الرسامون‭ ‬المهرة‭ ‬والجهلة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬بالكانفس‭ ‬أو‭ ‬القماشة‭ .‬

لوحة‭ ‬امرأة‭ ‬هائلة‭ ‬بدت‭ ‬شرقية‭ ‬جداً‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬خرافة‭ ‬مستلة‭ ‬مما‭ ‬خفي‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬مفتتح‭ ‬الصبا‭ ‬البائد‭ .‬

قلت‭ ‬لأبي‭ ‬صخر‭ ‬إن‭ ‬اللوحة‭ ‬مدهشة‭ ‬وقد‭ ‬تصير‭ ‬كنزاً‭ ‬بعد‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬وراسمها‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬توقيعه‭ ‬فوق‭ ‬ذيلها‭ ‬هو‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬أنفاس‭ ‬وفرشاة‭ ‬جيل‭ ‬الرواد‭ ‬الرافديني‭ ‬العظيم‭ .‬

ابتسم‭ ‬الزيتاوي‭ ‬الطويل‭ ‬وقال‭ ‬أن‭ ‬زوجته‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬حقل‭ ‬حنطة‭ ‬بعيد‭ ‬قد‭ ‬هددته‭ ‬بحرقها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يخلعها‭ ‬فوراً‭ ‬من‭ ‬الحائط‭ ‬،‭ ‬ويخرج‭ ‬بها‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬عيون‭ ‬الأطفال‭ ‬والضيوف‭ ‬والشيوخ‭ ‬الذين‭ ‬لو‭ ‬رأهوها‭ ‬على‭ ‬الجدار‭ ‬لقالوا‭ ‬لك‭ ‬ان‭ ‬بيتك‭ ‬مدنس‭ ‬ولا‭ ‬تجوز‭ ‬فيه‭ ‬الصلاة‭ ‬أبداً‭ .‬

طرحت‭ ‬اللوحة‭ ‬على‭ ‬سريري‭ ‬البائس‭ ‬واسترخيت‭ ‬قدامها‭ ‬فوق‭ ‬الكرسي‭ ‬الصغير‭ ‬وفي‭ ‬إغماضة‭ ‬عجيبة‭ ‬كانت‭ ‬المرأة‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬سمكة‭ ‬هائلة‭ ‬تلبط‭ ‬بشبكة‭ ‬صياد‭ ‬،‭ ‬وصار‭ ‬جسدي‭ ‬اليابس‭ ‬مثل‭ ‬ذئب‭ ‬شمّام‭ ‬يعوي‭ ‬فوق‭ ‬التلة‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬تغطس‭ ‬خلفها‭ ‬الشمس‭ ‬ويتكىء‭ ‬عليها‭ ‬بيت‭ ‬أبي‭ ‬عودة‭ .‬


مشاهدات 532
أضيف 2022/11/08 - 4:07 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 6:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 406 الشهر 7974 الكلي 9370046
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير