الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مشاريع الحوافز وجسور الحواجز

بواسطة azzaman

(لاي- فاي) الزمان (37)

مشاريع الحوافز وجسور الحواجز

عبد الرضا سلمان حساني

 

تداعيات الصيرورة

لم تكن سنين الحصار الذي فُرض على عراقنا وشعبنا طوال عقد التسعينات من القرن الماضي وما بعدها، سوى صفحات إرادة عمل وبناء في تقويم تاريخي وطني أثبت فيه أخيار العراق الأصلاء أنّهم بناة أشدّاء رحماء بينهم في الإعمار وزرع شجر وثمر بتجاهلهم الحصار. وليس من باب الإطراء، فإنّ شواخص الإنجاز عديدة ومنتشرة وظاهرة للعيان أمام القاصي والداني والأزمان في نمط عمل مؤسسات متفاعلة وفاعلة إستهدفها الإحتلال. وبالمقابل، فقد وصل سعر برميل النفط في تلك الحقبة من السنين الى سبعة دولارات وسعر التصريف غير الرسمي للدولار الواحد بلغ ثلاثة آلاف دينار عراقي تحت قيود الحصار الخانق في كلّ مجال عمل وصعيد. ولكي تؤدي ملاكات العمل الهندسي والإداري والفني واجباتها في البناء المطلوب بالأطر اوخطط

البرامج المقترحة، فقد أضافت وطرحت مؤسسات القطاع الصناعي وغيرها مشاريع توسيع وتطوير تستجيب لمتطلبات عمل أقسامها ومعامل أخرى بجدول زمنيّ للتنفيذ؛ سريع وكفوء ومنتج بمخرجات خاضعة لشروط توكيد الجودة والسيطرة النوعيّة.

وبسبب تكشّف بعض السمات السلبية للعولمة

( الإنتاجيّة آنذاك)، برزت مخاوف ونوايا الدولة العميقة في أميركا والغرب في تغيير السياسات تجاه الشعوب والأوطان المستقلّة، فشهدنا العدوانات العسكرية الأمريكية على العراق ومنشآته المدنية في إطار إستهداف مكونات بنيته التحتيّة وتجويع شعبه. ولغرض إيقاف عجلة البناء والإعمار، صارت حجج وإدّعاءات الإستخدام المزدوج هي شمّاعة العدوانيين لمنع دخول معدّات ومواد الإعمار، وكلّنا، من عاش تلك الحقبة في العراق، يتذكر حكاية أقلام الرصاص التي ليس فيها رصاص بالطبع ومنع إستيرادها.

حوافز البناء

وهكذا طالت يد الحصار كلّ قطاعات الخدمات في التعليم والإعلام والصحة والغذاء والدواء والإتصالات والكهرباء وحتى حليب الأطفال وغيرها بقائمة تطول . وهنا أنشأت المؤسسات الرسمية خططاً لمحاصرة عوامل تأثير الحصار عن طريق تطوير وبناء وتأهيل للمعامل والمصانع والمنظومات الهندسية والطبية والزراعية والطرق والجسور وغيرها بقائمة خيّرة تطول لمواجهة قائمةالحصار وفعله العدواني. وقد تضمّنت هذه الخطط مبادرات عمل نوعية إضافية وندوات معززة بورش عمل ميداني للتطوير في إطلاق طاقات العاملين ومن بينها نظام حوافز مادية ومعنويّة ومكافآت، إضافة الى الرواتب الشهرية، وإندفاع في تفاعل ونقل الخبرات والقدرات. في نظام الحوافز، وُضع جدول دقيق لعدد الوحدات لكلّ مشارك تأسيساً على مقدار وفاعلية عطائه وموقعه الوظيفي وعدد ساعات العمل التي تستوجب البقاء بعد إنتهاء الدوام الرسمي وكذلك السفر الى مواقع خارج محافظة السكن لوجود منظومات هندسيّة هناك. لقد أوردتُ العديد من هذه المعالم المنجزة في تلك الحقبة في مقالات نشرتها الصحيفة في مسلسل هذا العمود وقبله، ومنها المقال المنشور في عدد(الزمان) الصادر بتاريخ

2021/2/5 بالتسلسل

(لاي- فاي) الزمان (10).

وأوردُ مثالاً على ذلك، وسط العديد من الإنجازات، وهو خطة تطرير الإرسال الإذاعي والتلفزيوني في مراحلها المتعددة والتي بدأت في العام 1997 وأبرزت في احدى صفحاتها وتلازمت مع إنشاء قناة العراقالفضائية التي إنطلقت الى الفضاء رسميّاً صبيحة يوم 1998/7/17 بتأمين الإتصال بالقمر نايلسات 101 (في موقعه المداري 7 درجة غرباً- الحزمة Ku) بعد إن إستكملت بنيتها ومعدّاتها الهندسية بجهود عراقيّة إستثنائية في موقع مرسلات أبي غريب في بغداد. وكان الأثر البالغ في إنجاز مهام العاملين في الهيئة الهندسية والفنية- وزارة الثقافة والإعلام، والجهات الهندسية الساندة، يكمن في الإشراف والمتابعة التفصيليّة للّجان العاملة من قبل السيد وزير الثقافة والإعلام الأستاذ الدكتور همام عبدللخالق عبدالغفور ، والمرحوم الدكتور عبدالحليم إبراهيم الحجاج وكيل الوزارة للشؤون الهندسية والفنيةووكيل وزارة الثقافة والإعلام الشاعر الكبير الأستاذ حميد سعيد. وشملت خطة التطوير منظومات الإرسال التلفزيوني والإذاعي وملحقاتها المنتشرة في عموم القطر ؛ شمالاً في قمة جبل سنجار والخازر في نينوى وجنوباً في البصرة حتىى أم قصر وشرقاً في عموم ديالى وواسط وغرباً في طريبيل على الحدود الأردنية والرمادي وهيت والرطبة. وتضمنت الخطة أيضاً تركيب وتجميع وتشغيل مرسلات جوّالة بقدرات إرسال كافية لتغطية مساحات واسعة في ظروف الطوارىء، بالإضافة الى تأمين ورش تصليح محمولة بسيارات حديثة تجوب المحافظات لتقديم الإسناد والصيانة في محطات الإرسال عند الحاجة.

وعن إنشاء قناة العراق الفضائية، كتبتُ مقالاً بشكل خاطرة مهنيّة بعنوان(بين نقطتين)، نُشر في صحيفة محلية آنذاك

( تحية وتقدير للأستاذ حميد سعيد)، والجهود في إنشاء القناة.

وكذلك تحدّثنا (رئيس الهيئة الهندسيّة والفنية وأنا) عن مراحل العمل الهندسي لإنشاء القناة، بلقاء متلفز عِبر شاشة القناة في حينه 1998.

ترصيف حواجز

في عام الإحتلال 2003 جاء المحتلون الى العراق بذرائعهم العنكبوتية المصطنعة المعروفة والتي إعترفوا بخلوّها من المصداقيّة وإدّعوا ومازالوا يدّعون أنّهم ضُللوا بها، حتى بلغت هذه الذرائع سنّ اليأس وجفّت فيها هورمونات التقبلية والواقعية. لقد جاءت القوات المحتلة وعملت ماعملت قي البنية الأرضيّة والمجتمعية ونظام المؤسسات المهنية المستقرة العاملة وما تركت وراءها وأمامها.

لقد جلبت (الديمقراطية) والأسلاك الشائكة) ؛ كما عرّفوها بوجود العديد من القنوات الفضائية وإصدار المئات من الصحف المحلية التي إختفى العديد منها فيمابعد. ونشروا ثقافة إستخدام الحواجز الكونكريتية وبُنيت معامل لإنتاجها وميزانية مالية لشرائها وتدويرها على بوّابات الوزارات والمواقع العسكرية والجسور ومقرّات وجود القوّات الأمريكية وملحقات دوائر الحاكم المدني وأتباعه. وصار المحتلون يستحمّون ويستجمّون في ضفاف أنهار ومدن لم تألفهم. وأُغلقت مصانع وتقادمت المعدات وتوقفت عن الإنتاج في نفس نهج وأدوات الحصار الذي إستهدف الإمكانيات الوطنية في سنين قبل الإحتلال.

وعلى مدى أكثر من 19 سنة، أصبحت البطالة واحدة من العناوين المتمددة في المجتمع بدون علاج بالرغم من ضخامة الميزانية وتزايد مطّرد في أعداد الدوائر الحكوميّة ومدرائها وهيكليتها. وكذلك، إنحسرت معايير (رجل- ساعة) المتبعة عادة في إدارة وتنفيذ المشاريع الستراتيجية وجداولها في الإنجاز بمختلف القطاعات لإستثمار الطاقات الهائلة المتاحة وهي بدون عمل، بل أصبح التعليم الرسمي والأهلي، للأسف، منبعاً يضيف سنويّاً مناسيباً الى البطالة بأعداد الخرّيجين.

وما بين مشاريع الحوافز وجسور الحواجز، من حق المواطن أن يتساءلل؛ من أوصل الى هنا ومن أوصل الى هناك؟ ومن أثّر ومن تأثّر في مشاهد كثيرة وربّما كبيرة منذ العام 2003.

وبهامش علميّ مبسّط ومستند الى موضوع القوى والعزوم من فصول كتاب فيزياء الدراسة المتوسطة، نذكّر بالإجهاد (= عشرة أضعاف وزن كل حاجز بالكيلوغرامات مقسوم على مساحة قاعدته) التي تسلّطها الحواجز الكونكريتية الثقيلة على الجسور والطرقات والتي سيظهر تأثيرها، ولولا متانة هياكل بناء الجسور ووزنها لإختلفت الصورة الحاليّة، علماً أن جسر الجمهورية قد تعرّض الى قصف طائرات العدوان الأمريكي سابقاً وعمّره الأخيار بجهد هندسي متميز. وكذلك فإنّ مقدار عزم القوة أعلاه هو مقار القوة مضروباً بمسافة بعدها عن نقطة الإستناد في طرف الجسر ويسمّى ذراعها.

سطور الختام

كثيرون من يظنّون أنّ الإبداع هو الكلام عن بعض من صور الماضي بلهجة أو بلهجتين، ويتحدثون بعدها عن متابعين بعدد كذا. هذا ليس بإبداع أو صفة إعلاميّة إستثنائية يمنحونها لأنفسهم، متناسين أنّ (كان) فعل ماضي ناقص، وإنّ في اللغة حروف وأدوات مستقبل.

رحم الله شهداء العراق..

رحم الله شهداء تشرين..

 

{ پروفسور فيزياء الپلازما- عضو معهد الفيزياء في المملكة المتحدة


مشاهدات 536
أضيف 2022/10/09 - 4:28 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 6:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 384 الشهر 7952 الكلي 9370024
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير